مما لا شك فيه أن الحياة كانت ستبدو رائعة للغاية لو كنا بدأنها في سن الثمانين وبدلًا من أن نكبر ، نصغر ونقترب على مر السنين من الحادية عشر إلى أن نصبح سنافر صغار ، فعندما نسمع كلمة سنافر يتبادر إلى أذهاننا على الفور ذلك الكائن الصغير الأزرق المرح الذي يملأ الجو بهجة وفرح ، فمن ابتكر هذه السنافر وما معناها ؟
كلمة سنافر هي جمع كلمة سنفور وهي عبارة عن شخصيات كرتونية خيالية لا وجود لها على أرض الواقع وهي زرقاء صغيرة الحجم تعيش معًا بالغابة ، ابتكرها الرسام البلجيكي بيير كوليفورد عن طريق الصدفة ، فقد كان يبحث عن عمل البداية ولكن دون جدوى ، فعادة ما كان يفشل في اجتياز كل مقابلات العمل .
وفي إحدى الأيام تقدم بيير للعمل بوظيفة مساعد طبيب أسنان ، ويوم المقابلة استيقظ في الصباح الباكر وبعد أن جهز نفسه ولبس أفضل ما عنده تناول فطوره وخرج من المنزل متجهًا إلى مقر المقابلة ، ولكنة اكتشف في الطريق أنه قد ترك حافظة النقود في المنزل ، فعاد وبحث عنها كثيرًا ولكنها لم يجدها .
بعدها قرر أن يذهب مسرعًا إلى الموعد المحدد كي لا تضيع عليه الوظيفة ، لكنه ذهب متأخرًا وكانت ملابسه متسخة ويبدو على وجهه الإرهاق والتعب ، لذا لم ينجح في تلك المقابلة لأن أحد شروطها كان الإلتزام والمحافظة على الوقت ، عاد بيير في نهاية اليوم إلى منزلخ حزينًا محبطًا ، وأصيب بخيبة أمل شديدة .
ولكن بعد فترة عرض عليه أحد أصدقائه العمل كرسام في أستوديو ، و بالرغم من أن المقابل كان ضعيف وفترات العمل كانت طويلة مقارنة بكثير من الوظائف الأخرى ، قبل بيير الوظيفة وهناك قابل وتعرف على رسامين مشهورين ، واستطاع داخل الأستوديو أن يسخر طاقاته ويخرج الفنان بداخله ، فكان يقوم بعمل رسومات مختلفة ومنها شخصيات الأطفال الكرتونية .
وهكذا تمكن بيير عام 1958م من رسم شخصيات كرتونية صغيرة سماها السنافر ، وتحولت تلك الرسومات فيما بعد إلى شخصيات شهيرة انتشرت عبر الأفلام على شاشات السينما والتلفاز في جميع أنحاء العالم كله ، وبذلك غيرت هذه الوظيفة حية بيير تمامًا فمن شخص غير موفق في حياته إلى رسام شهير ، فقد أثبتت تلك السنافر الصغيرة قدرتها العظيمة في تحويل هذا الرسام إلى رجل غني وذلك بعد أول ظهور لهم في قصة جوهان وبيويت التي حققت انتشارًا كبيرًا ونجاحًا مدوي .
واتسعت دائرة النجاح والشهرة بشكل أكبر حينما كتب مايكل ليجراند فيلم السنافر والمزمار السحري ، والذي كان نقلة كبيرة في الأفلام الكرتونية ساعدت على انتشار قصة السنافر في أنحاء العالم ، وتدور أحداث تلك القصة عن السنافر القصيرة ذات اللون الأزرق الذي يرتدون قبعات بيضاء ويعيشون في الغابة وبيوتهم على شكل فطر .
تحدث مغامرات كثيرة لكل شخصيات السنافر ولكت بمساعدة بعضهم يتمكنوا من اجتيازها ، ومن تلك الشخصيات الحاكم سنفور وسنفور عبقري وسنفور مغرور وسنفور موسيقي وسنفور مفكر وسنفور أكول وسنفور رسام وأيضا سنفورة الجميلة وسنفور الطفل وأيضًا بابا سنفور الذي يرشدهم دائما للطريق الصحيح .
وهناك عدوهم الساحر شرشبيل وقطه الأحمر هرهور ، وطوال أحداث الفيلم يريد شرشبيل القضاء عليهم أو أكلهم ، لأنهم بالنسبة له غذاء سحري يمكنه أن يستفيد من قواهم ويستغلها في الشر ، وتدور الأحداث الممتعة في فلك هذه المطاردة الكوميدية بين شرشبيل والسنافر ، ولعل أكثر ما يميز هذه الشخصيات السنفورية هي أنها تقدم قيمة للطفل من خلال الحكايات التي ينتصر فيها الخير على الشر .
ولعل من أكثر دلالات نجاح هذه الشخصيات هو ارتباط أطفالنا الصغار بها ومحاولة محاكاتها ، واستقاء بعد الألفاظ والعبارات التي وردت في سياقها ، فعلى سبيل المثال عندما يكون هناك شخص ملهم يفكر باستمرار في حل المشكلات واختراع الأشياء نقول له : أنت سنفور عبقري وحينما يكون هناك شخص يحب الأكل ولا يدع مناسبة إلا ويأكل فيها نقول له : يا لك من سنفور أكول .
وهكذا نجد أن السنافر تتوغل في حياتنا اليومية من خلال ما يتشربه أبنائنا من الأفلام السنفورية التي حولت الرسام الفقير إلى أخر ثري بعد أن خرجت من خياله الواسع لتتحول بدورها إلى قصص وأفلام ملهمة يتمتع بها الكبير والصغير لما فيها من قيم إيجابية