ملأت شهرة بورفيراجلانتين ، الشاعر الفيلسوف العظيم ، الآفاق بمؤلفاته العميقة الرائعة المتعددة ، ولاسيما بقصيدته الخالدة ، أنشودة العدم .
الأنشودة :
في البيداء المترامية ، حيث تمتد الرمال إلى مالا نهاية ، أبحث ، أبحث عن الطريق المفقود ، الطريق الذي لا أهتدي اليه ، وتحوم روحي هنا وهناك ، في كل اتجاه وفج ، تتلمس فلا تصادف شيئًا ، وسط هذا الفضاء العريض ، هذا الفضاء اللانهائي ، هذه الرمال ..
هذه الرمال المتوهجة المزهقة للأنفاس ، هذه الرمال الآسنة المملة ، التي تمتد في غير ما حد ، إلى الأفق البعيد ، ويترامى إليّ أخيرا ، صوت ، صوت مدو عذب معا ، يهتف ، أتظن أنك روح ضائعة ، تحسب أنك روح ، لكنك واهم ، فلست بروح ، لا ولا أنت ضائع ، فأنت عدم ، ولا وجود لك .
انتشار القيدة :
رغم ذيوع هذه القصيدة وانتشارها ، فان نفرًا قليلاً يعرف الظروف التي حملت على نظمها وما أسفرت عنه من أحداث ، وسنسرد تلك الأحداث رغم ما تنطوي عليه من ألم وضنى .
بداية الحكاية :
كان بورفير ، منذ فجر شبابه مرهف الإحساس ، ويعاني من ألم ممض ، فلقد استبد به الخوف من أنه لا يكون موجودًا ، وكان كلما تطلع إلى المرآة ساورته الشكوك في ألا تظهر صورته ، فابتدع لنفسه فلسفة من شأنها ، كما كان يأمل ، أن تذهب بهذا الخوف وتبدد تلك الشكوك ، لكن هذه الفلسفة كانت تخفق ، من حين لآخر في أن تشفى غليله ، واستطاع بوجه عام ، أن يواري شكوكه ، لكن أنشودة العدم التي تعبر عن رؤيا مفاجئة محطمة ، تكشف عن أن النجاح لم يحالفه ، فعقد العزم على أن يثبت وجوده بأي ثمن ، وبصورة قاطعة تخمد الصوت الذي يعذبه .
الألم :
وبدوام تأمل النفس والملاحظة الدقيقة اقتنع في النهاية ، بأن ما من شيء حقيقي كالألم ، وأن بالألم وحده يتحقق الوجود ، فراح ينشد الألم في ربوع الأرض ، قاطبة بالقيام برحلة الحزن والأسى ، حتى لقد قضى شتاء في القطب الجنوبي منعزلاً وحيداً ، حيث كان الليل لا ينتهي يوحى بأحلام مزعجة ، عما يحمله المستقبل من كآبة وغم .
عذاب في ألمانيا :
وعرض نفسه لألوان العذاب في ألمانيا زاعما أنه يهودي ، لكن في عين اللحظة التي بلغ فيها عذابه حدا لا يحتمل ، اقتحم غراب معسكر التعذيب ، وحطم الصمت الرهيب ، معلنا بصوت حزين : انك لا تتألم ، انك عدم ، ولا وجود لك .
عذاب في روسيا :
ورحل إلى روسيا حيث ادعى أنه جاسوس يعمل لحساب الحكومة البريطانية ، فقضي شتاء طويلا يقطع الأشجار بجوار البحر الأبيض ، وكان الجوع والتعب والبرد تنفذ إلى أعماقه يوما فيوما ، وتراءى له أنه لو استمر هكذا طويلا لأحس بوجوده ولا ريب ، لكن هذا لم يحدث ففي اليوم الأخير من أيام الشتاء حينما بدأ الجليد يذوب ، عاد الطائر الرهيب يردد كلمات الفشل عينها .
الحبيبة الصينية :
وطفق يفكر ، لعل الآلام التي أنشدها ، هينة بسيطة ، ولو أردت أن أكون بائسًا حقًا ، لتحتم أن أمزج أحزاني بعنصر الذلة والهوان ، وتحقيقًا لهذا الهدف ، انطلق الى الصين حيث وقع في غرام عنيف مع فتاة صينية بارعة الجمال ، تحتل مكانة مرموقة في لجان الحزب الشيوعي ، وراح يلفق الوثائق ويزورها حتى أدينت الفتاة كجاسوسة للحكومة البريطانية ، وتعرضت في حضرته لألوان التعذيب المبرح .
وحين بلغ العذاب حد الموت ، قال لنفسه : الآن قد تألمت حقًا ، فقد أحببتها لآخر لحظة حبًا جمًا ، وحطمتها بخيانتي المشوبة بالجبن والنذالة ، وان في هذا ما يبعث في نفسي من الألم والضنى ، أكثر ما تتحمله الطاقة البشرية !
طائر القدر مرة أخرى :
ولم تكن هذه هي الحقيقة ، وبرهبة عنيفة أفقدته القدرة على الحركة ، راح يرقب طائر القدر يعود ليحلق في الأفق وينطلق ثانية ، بصوت الشاعر الخالد الذي قدم الطائر إلى الوسط الأدبي في باريس.
وأخذ يعبر عن يأسه بمشقة بالغة بينما الطائر لا يزال يحلق في السماء ، قائلا : أيها الغراب ، هل هناك في هذا العالم الفسيح بأسره ما يحملك على الاعتراف بأني موجود ؟ فلم يفه الغراب الا بكلمة ، عليك البحث ، ثم اختفى عن الأنظار.
انتظار ووصول :
ولا يمكن الزعم بأن بورفير ، قد ترك بحثه عن الألم يستولى على نشاطه ، لكنه ظل دائمًا الشاعر الفيلسوف ، يحظى بالإعجاب والتقدير في كل مكان ، ولاسيما في أكثر الدوائر سرية ، وعند عودته من الصين دعى لحضور مؤتمر للفلسفة عقد في باريس ، كان هدفه الأسمى تكريمه وتبجيله ، حضر المدعوون ماخلا الرئيس ، وبينما كان يتساءل عن موعد قدوم الرئيس أقبل الغراب واحتل مقعد الشرف ، واستدار ناحية بورفير وعدل من عبارته المألوفة ، وصاح بصوت مجلجل تناهى الى سمع أعضاء المؤتمر جميعا : لا وجود لفلسفتك ، فهي عدم .
انتصار الوجود :
وما ان تفوه بهذه الكلمات حتى غمرت كل كيان الفيلسوف ، موجة من الرعب والكرب ، لم تدانها تجربة سابقة وسقط مغشيًا عليه ، وحين عاد إلى رشده ، سمع الطائر يردد ما كان يتوق إلى سماعه : أخيرًا أنت تتألم ، أخيرًا أنت موجود ! واستيقظ فإذا فهو حلم ، لكنه لم يعد بعد اليوم يتحدث عن الفلسفة أو بكتبها .
abraj alyawm نعرض لكم في هذا المقال أحدث توقعات الأبراج اليومية ونصائح الحظ الفلكي. اكتشف…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…
abraj alyawm نعرض لكم في هذا المقال أحدث توقعات الأبراج اليومية ونصائح الحظ الفلكي. اكتشف…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…