تزخر المملكة بالعديد من الوجهاء والأعيان الذين أثروا التاريخ بسيرهم وأخبارهم ، ومن بينهم الشيخ صالح باشا العذل الذي تقلد مكانة مرموقة بين جماعته ، كما حظى بنفس المكانة في ديوان الملك عبدالعزيز رحمه الله ، فقد كان من أوائل سفرائه وأقرب رجاله ، وقد حظى أيضًا بالعديد من الألقاب ومن أهمها لقب الباشوية الذي أهداه له الوالي العثماني آنذاك .
مولده ونشأته :
هو صالح بن محسن بن عذل بن جاسر بن ناصر بن حمد بن محمد أبا الحصين بن علي بن راشد بن محفوظ من العجمان ، من يام التي تنتمي لقبيلة همدان ، ولد صالح العذل عام 1270هـ ، فنشأ خلال فترة حكم الإمام فيصل الثانية ، وقد ولد لأسرة ميسورة الحال لديها العديد من الأملاك الزراعية ، فقد كان والده محسن العذل من أكثر وجهاء زمانه .
فقد قال المؤرخ عبدالله بن صالح العقيل عن والده : “وكان محسن يسعى لمصالح أهل بلدته ، ويحنو عليهم ويقيم طعام إفطار للصائمين في شهر رمضان المبارك بمنزله ، ويوقف مبالغ وأوزانا من التمور لمسجد البلدة وإمامه ومؤذنه ، كما كان له مقهى مشهورة يرتادها الناس ، ويكرمهم فيها وكان الصائمون يفطرون بها ، وكان يسهل على المزارعين ويقرضهم ، وله توجه في أعماله في المجالات الخيرية “.
كان ابن عذل قد تزوج ثلاث زوجات وأنجب منهن ابنائه ، وهن رقية بنت على الجاسر التي أنجب منها حمود ودرهوم ، وموضي بنت الشيخ صالح بن قرناس قاضي القصيم الشهير ، والتي أنجب منها عبدالرحمن ، أما الثالثة فهي حصة بن عبدالمحسن بن بتال التي أنجب منها ابنه محمد.
معارك فاصلة :
اشترك صالح بن عذل في العديد من المعارك بجانب قائده الأمير محمد عبدالله بن رشيد ، فقد أبلى بلاءً حسنًا في معركة المليداء الشهيرة سنة 1308هـ ، وحتى بعد وفاة الأمير وتولي بن متعب الإمارة استمر ابن عذل في مكانه حتى استقرت الأمور بعد خوض معارك روضة مهنا والبكيرية والشنانة .
وقد اتصف بن عذل بالوفاء الشديد لقائده فبعد خسارته في معركة الشنانة لجأ بن عذل لجمع الأموال ، أملًا في تحسين الوضع السكري والسياسي لقائده ، الأمر الذي جعل الملك عبدالعزيز رحمه الله يعجب بوفائه وإخلاصه حتى أنه قال : من يوفي مع معزبه سوف يوفي معه .
مهمته الدبلوماسية :
كان لابن عذل مكانه دبلوماسية رفيعة حيث كلفه الملك عبدالعزيز بحمل رسالة إلى السلطان العثماني عبدالحميد الثاني للتفاوض بشأن جلاء القوات العثمانية من منطقة القصيم ، ولاشك أن هذا الاختيار لابن عذل ينم عن ثقة الملك به وقدراته على المفاوضة بشكل دبلوماسي ومجدي ، لدرجة أن الخليفة نفسه أنعم عليه بلقب الباشوية ، وقد أفرد المؤرخون في كتب التاريخ صفحات عن هذا اللقاء الهام .
ثقة متجددة :
تجددت ثقة الملك بقدرات ابن عذل وإمكانياته فجعله رجل المهام الصعبة ، وأوكل إليه أن يكون ممثله في الإحساء والتي كان يسعى للسيطرة عليها ، وقد كان هذا الاختيار نابعًا من حسن علاقة ابن عذل بالسلطات العثمانية منذ اللقاء السابق الذي جمعه بالخليفة في اسطنبول ، الأمر الذي جعله محل ثقة العثمانيين.
ولم تكف بعثات الملك لابن عذل عن هذا الحد ، فقد وقع عليه الاختيار من قبل الملك المؤسس ليكون مبعوثه الدبلوماسي بجبل شمر ، حيث امتدت علاقاته الطيبة مع بيت الإمارة حيث كان وفيًا ومخلصًا لأل رشيد ، هذا بالإضافة لخبرته الطويلة وتمرسه في مهام المفاوضات التي ظل يمارسها حتى ناهز السبعين من عمره .
إمارة الزكاة :
كان صالح بن عذل أحد الذين اختارهم الملك عبد العزيز ليكون من أمراء الزكاة ، وقد تميز كثيرًا في هذا العمل ، وبذل فيه جهود مضنية حتى إنه وصل في الجباية إلى بعض القبائل التي تقطن جنوب العراق ، الأمر الذي أقلق السلطات البريطانية وجعلها تعتقله في بغداد عام 1342هـ الموافق 1923م ، مما أثار حفيظة الملك عبدالعزيز وغضبه وطالب بسرعة الإفراج عنه ، وفعلًا استجابت له السلطات البريطانية .
وفاته :
تمكن المرض اللعين من ابن عذل ، ولم يمهله وقتً طويلًا حتى فارق بعدها الأهل والأحباب ، فقد توفي رحمة الله عليه في العاشر من محرم سنة 1350هـ الموافق التاسع والعشرين من مايو سنة 1931م ، ودفن في مقبرة العود بعد حياة مليئة بالعطاء والعمل تحت ظل الملك المؤسس .