كان الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله هو أول من تولى منصب وزير الخارجية بالمملكة ، وذلك في حقبة صعبة كانت فيها المنطقة والعالم أجمع يشهد مجموعة من التحولات الكبرى ، والتى تطلبت معها رجل ذو كفاءة وحنكة دبلوماسية وسياسية مثل الملك الراحل فيصل ، وقد حرص الملك فيصل رحمه الله على تدريب وتخريج مجموعة من الدبلوماسيين الجدد لحمل راية الدبلوماسية السعودية في جميع أنحاء العالم .
ومن بين من تتلمذوا على يد سمو الملك فيصل وتعلموا منه أصول الدبلوماسية والسياسة الخارجية السيد عمر بن عباس السقاف ، وقد برز اسم السيد عمر بن عباس في المجال الدبلوماسي حتى نال عليه لقب بلدوزر الدبلوماسية السعودية في الزمن الصعب أو دبلوماسي الأيام الصعبة ، ولا عجب في ذلك فهو أحد تلامذة أستاذ الدبلوماسية الأول في المملكة الملك فيصل رحمه الله .
نشأته وتعليمه :
ولد الراحل عمر بن عباس بن علوي السقاف عام 1332هـ ، بمنطقة العنبرية بالمدينة المنورة ، وقد اهتم والده بتعليمه فأدخله الكتاب وهو في سن السابعة وقد حفظ القرآن كاملًا في الكتاب .
ثم بعد ذلك التحق بالمدرسة الابتدائية الناصرية بالمدينة المنورة وكان اسمها في ذلك الوقت المدرسة الأميرية ، وقد أنهى دراسته الابتدائية بها وهو الأول على جميع طلاب المملكة وكان ذلك في عام 1356هجرية ، وقد احتفى به جميع زملاؤه وأساتذته وأقاموا له حفلًا حضره أمير المدينة المنورة السيد عبدالله السديري .
وقد كانت الحكومة في المملكة منذ تأسيسها تهتم بتعليم أبنائها ، ولذلك كانت ترسل المبتعثين للخارج لاستكمال دراساتهم في عدة دول ، ولكن في البداية كان على الطلاب الالتحاق بمدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة قبل سفرهم للخارج .
وبالفعل انتقل السيد عمر بن عباس السقاف إلى مدرسة البعثات ، ودرس بها أربعة سنوات في القسم العام ، وكانت المدرسة في ذلك الوقت تدمج المرحلتين المتوسطة والثانوية في أربعة سنوات ، ثم عاد إلى المدينة المنورة حيث توجد عائلته .
وقد عمل مع والده في التجارة فترة ، ولكن طموح عمر بن عباس كان أكبر من ذلك ، وقد لاحظ والده حبه للتعليم وحرصه على استكمال دراسته ، فشجعه وحين نشر اسمه في كشوف المبتعثين عام 1363م لم يعارض أبدًا ، وقد سافر السيد عمر إلى القاهرة ، ثم إلى لبنان ودرس هناك بالجامعة الأمريكية وحصل على دبلومة التجارة والاقتصاد .
التحاقه بالعمل الدبلوماسي :
بعد أن أتم تعليمه وأصبح مؤهلًا عاد عمر بن عباس ليخدم بلده فالتحق بالسلك الدبلوماسي وعمل بوزارة الخارجية ، وقد تدرج بالعمل الدبلوماسي وتدرج في المناصب والمهام الموكلة إليه .
حتى أصبح يمثل اسم المملكة في العديد من المناسبات الخارجية والمحافل الدولية ، حيث عمل بعدد من سفارات الملكة في العديد من الدول منها روما وجاكرتا وكراتشي ، كما عمل بسفارة المملكة بلندن كقائم بأعمال السفير ، ثم عاد للمملكة ليتولى منصب مدير المراسم بوزارة الخارجية على درجة سفير ، ثم منصب مساعد وكيل وزارة الخارجية بالإنابة .
كما مثل عمر بن عباس اسم المملكة في العديد من المؤتمرات الدولية ومنها رئاسة وفد المملكة في الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية لشرح أبعاد القضية الفلسطينية ، كما ترأس أيضًا وفد المملكة في اجتماعات الممثلين الشخصيين للملوك والرؤساء العرب .
كما كانت له الكثير من الجولات الخارجية في دول أمريكا الجنوبية والولايات المتحدة والعديد من دول آسيا إلى جانب جولاته في الدول العربية ، وقد منحته الدولة الكورية درجة الدكتوراه الفخرية تقديرًا لمجهداته .
عمل أيضًا السيد عمر بن عباس في سفارة المملكة بأديس أبابا كأول سفير للملكة بإثيوبيا ، وأثناء وجوده هناك صدر مرسومًا ملكي بتعيينه كوكيلًا لوزارة الخارجية ، ثم تم اختياره بعد ذلك ليكون أول وزير دوله للشئون الخارجية وقد كان له دورًا دبلوماسيًا كبيرًا في فترة حرب الأيام الستة .
وقد بذل جهدًا كبيرًا في المفاوضات في تلك الفترة الحرجة لحفظ الحق العربي ، كما شهدت فترة توليه للمنصب مجموعة من الأحداث الكبرى التي شهدتها المنطقة منها القرار التاريخي للملك فيصل رحمه الله بقطع البترول عن الولايات المتحدة الأمريكية .
وفاته :
توفى السيد عمر بن عباس السقاف رحمه الله عام 1394م عن عمر يناهز 62 عامًا ، وذلك إثر إصابته بجلطة دماغية أثناء إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية ، وقد حزن معلمه وأستاذه سمو الملك فيصل لخبر وفاته ، وأمر بسرعة نقل جثمانه إلى المملكة ، وقد أقيمت الصلاة عليه بالمسجد النبوي الشريف ، وتم دفنه ببقيع الغرقد ، وقد تلقى سمو الملك فيصل التعازي في وفاته ، وقد ظل اسمه باقيًا في عالم الدبلوماسية السعودية .