لم يكن النمر الأسود محمد الإفريقي رجلا يهاب الموت ، فقد كان مناضلًا من الدرجة الأولى ، جاب العالم العربي والإسلامي في صد هجمات القوات المحتلة سواء كانت من دول المحور أو الحلفاء ، وذلك أثناء الحرب العالمية ، كما أنه لم يكن مناضلًا حربيًا فقط بل كان أيضا مناضلًا فكريًا ؛ زود المكتبة العربية بالعديد من الكتب والمقالات التي أثرت الثقافة العربية والعالمية .
حيث دون مذكراته ، وبعض الآراء والتوجهات التي جاءت نتاج التجربة ومخالطة الشعوب ، وكان بارع في التحدث بالعديد من اللغات واللكنات المختلفة ، كما أنه كان يعمل مع المؤسس في قصر شبرا ، وكرس كل جهوده وخبراته لتنظيم وتدريب صفوف الجيش .
الميلاد والنشأة :
هو محمد عبد القادر الأفريقي أو النيجيري والملقب بطارق الإفريقي ، أو النمر الأسود ، وقد سمي بالنيجيري نسبة إلى أمه نيجيرية المنشأ ، أما والده فهو ليبي الأصل ، ولد محمد الإفريقي بنيجيريا عند أهل أمه والذين كانوا يرعونه في غياب والده ، ولكن درس في ليبيا حتى أتم الابتدائية ، ثم أكمل دراسته في تركيا وسوريه وبعدهما ألمانيا.
فحينما توجه مع أبيه وأخيه لأداء مناسك الحج ، تعرف على أحد البشوات الأتراك الذي أعجب به وبأخيه وطلب منهما أن يلحقاه باسطنبول ، وبالفعل وافق الاثنان ، وذهبا إلى تركيا ، وهناك اتخذوا العلم مسلكًا ودربًا يسيروا فيه ، فتخرجا من كلية الحرب وقرر طارق الإفريقي الذهاب إلى سوريا بينما بقى أخوه وتزوج من امرأة تركية استقر معها.
التحق طارق الإفريقي بإحدى القطاعات العسكرية التابعة لوهيب باشا بسوريا ، وهناك واصل نضاله العسكري بالإضافة إلى تحصيله العلمي ، الذي لم يتوقف فقد كان رجلًا يدرك قيمة العلم ودوره في بناء الأمم ، ذاع صيت الإفريقي وكتبت عنه الصحف العربية والغربية المناوئة لإيطاليا ، وارتقت به الدرجات نتيجة لإخلاصه في الجهاد وتقديم الاستشارات الصادقة لقادة البلدان العربية.
الثقافة والمعرفة :
كان الإفريقي ضابطًا محنكًا واسع الأفق يجيد بجانب لغته الأم أربع لغات وهما التركية والفرنسية والألمانية ولغة أخواله الهوساوية ، هذا بالطبع إلى جانب لغته العربية ، وقد كان حافظًا جيدًا للقصائد والأشعار بالإضافة لمتابعاته المستمرة لكل المستجدات في العالم.
وقد عًرف عنه مداومته على قراءة القرآن الكريم وحرصه على إتباع تعاليمه ، ونشر السنة النبوية ، كما أنه كان رجلًا أمينًا فحينما أرسلته الدولة العثمانية ببعض الأموال الطائلة تزويد الجبهة الليبية ومساعدتها على القتال ضد المحتال ، وجد أن الحرب انتهت قبل وصوله ، فعاد إلى اسطنبول لتسليم المبالغ التي كانت بحوزته وواصل جهاده ضد الأعداء.
لم تشغل الحرب النمر الأسود عن نشر الكتب والمقالات التي تدافع عن منهج السلف ، وتبرئ المجتمعات الإسلامية من العادات والتقاليد المغلوطة ، والتي لا أصل لها في الدين ، ومن كتبه في هذا المجال ؛ كتاب المبتدعات في الدين ، وعن الحروب كتب عن الحرب في الحبشة ، والحرب بفلسطين .
الجيش السعودي :
كان الملك عبد العزيز رحمه الله يبحث عن بعض العساكر المدربين ، وذلك لإعادة تكوين الجيش السعودي وفق الاستراتيجيات الحديثة ، وقد وافق ذلك ذيوع صيت النمر الأسود طارق الإفريقي وانتشار أخباره في مواطن العرب .
مما دفع البشير السعداوي أحد المقربين للملك عبد العزيز طيب الله ثراه بطارق الإفريقي قائدًا محنكًا لتدريب الجيش ، وبالفعل وافق الملك المؤسس وأسند تلك المهمة الصعبة لطارق الأفريقي الذي تولى قيادة أركان حرب الجيش السعودي حال قدومه.
وظل الإفريقي ينظم الجيش ويدربه قرابة الخمس سنوات ، ولكن نتيجة لاختلاف وجهات النظر مع من يعملون معه ، قرر ترك منصبه والعودة لعمله في سوريا ، وهناك شارك في الحرب ضد اليهود ، وقاد سرية الإنقاذ التي هوجم أفرادها وقتلوا جميعًا عدا الإفريقي وسائقه الخاص ، وحينما زار الأمير مشعل وزير الدفاع سوريا بعد بفترة عرض على الإفريقي العودة للمملكة كمديرًا للعمليات الحربية ، فرحب بهذا كثيرًا ، وكان يعمل بقصر شبرا برفقة الملك عبد العزيز رحمه الله بالطائف.
المرض والوفاة :
بعد أن قدم الإفريقي لجيش المملكة الكثير والكثير من العطاء أصيب بجلطة ، نتج عنها شلل رباعي ، ونصحه الأطباء بالانتقال لمكان هادئ فعاد إلى سوريا وتوفي بعد عودته بست سنوات ، ولم ينجب الزعيم سوى ابنه واحدة تدعى نعمات وهي سورية الأصل والإقامة ، ويذكر المؤرخون أنه قد مات في حدود العام 1371هـ تاركًا إرثًا طويلًا من النضال ، وبصمة ظاهرة في تكوين الجيش السعودي تحت إشراف المؤسس طيب الله ثراه.