هو رجل أفنى عمره في طلب العلم وتدريسه ، واجه من الصعاب والمخاطر ما يثبط العزم ، ويقلل السعي ، ولكنه ظل يقاوم ، واستطاع أن ينشر رسالة التوحيد الخالية من الشركيات في شبه القارة الهندية ، ولم تكن رحلته ميسرة في بادئ الأمر سهلة .
فقد واجهته مخاطر كثيرة من الحاقدين على الشريعة الإسلامية ، إلا أنه كان رجلًا غزير العلم والحكمة ، ملما بأحكام الشريعة ، قوي الحجة والبرهان ، استطاع أن يناظر المشركين ، ويهدي أغلبهم ، وقد أسلم على يديه مئات الناس ، وآخرين تخلوا بفضله بعد الله عن البدع والمعتقدات التي لا تمت للإسلام بصلة .
نسبه ونشأته :
يعود نسب هذا الشيخ الشريف لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ فقد قال في ترجمته أن بينه وبين سيدنا عمر رضي الله عنه اثنان وأربعون جدًا ، واسمه هو عبد الحـق بن عبد الواحد بن محمد بن الهاشمي . ولد في مقاطعة بها ولفور بالهند عام 1302 هجريا في كنف والديه الذين اهتموا به ، وعلموه جيدًا .
وقد كان والده الشيخ عبد الواحد بن محمد الهاشمي معلمه الأول ، الذي قرأ عليه القرآن الكريم ، وتعلم منه النحو والصرف ، وقواعد الانجليزية ، ولم يقف العلم به عند بئر أبيه ، فسافر ينهل من أبار العلماء ؛ فوصل عدد المشايخ الذي تلقى العلم إلى أيديهم إلى ستين شيخا ، فنهل من جعبتهم النحو ، والبلاغة والسنن والأدب والشعر ، وصحيح البخاري ، وقرأ أمهات الكتب ، وأصحب كالمكتبة التي تمشي على أقدامها.
نهجه الذي سار عليه :
كان رحمة الله عليه يسير على نهج السلف الصالح ، وأهل الحديث عقيدة وعملًا ؛ فكان يفتي بما جاء في القرآن الكريم ؛ فإن لم يجد فبما جاء في الأحاديث الشريفة ، وإن لم يجد دليلًا في الكتاب ، أو السنة يفتي بأقوال الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم الأئمة والمجتهدين .
وكان الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله ، يقول عنه أنه لا يتقيد بمذهب ، وكان علمه بالحديث والفقه الحنفي جيد ، كما قال عنه عمر عبد الجبار رحمه الله ، أنه كان حافظ للصحاح الستة وأسانيدها ، ومسائل الخلاف بين الأئمة وحججهم .
جهوده في الهند :
واجه الكثير من العناء في الهند لتعدد المذاهب بها من هندوسية ومسيحيه وإسلاميه وغيرها من العبادات الكثيرة ؛ فأوذي كثيرًا من الجهلة والمقلدين ، ووصل به الأمر أنه كان يصلي ملتحفا برداي خوفا أن يروه وهو يؤدي أركان الصلاة الصحيحة وسننها ، وظل هكذا إلى أن اشتد قوامه ، وصار شابًا يافعًا لديه من الحجج والأسانيد ما يقوي شكيمته.
وقد افتتح معهدًا علميًا للتدريس بالهند كان يعمل به طيلة أربع عشر ساعة يوميًا دون أن يمل ، أو يكل ، ومن غرائبه في بلاد الهند أنه كان من هواة رعي الإبل ؛ فكان يخرج وسط طلابه يرعى الإبل في حلقات دراسية مستمرة ، وكان خطيبًا بارعًا يجيد الهندية بطلاقة ، وكان رواده كثيرون من أهل العلم وعامة الناس ، وقد أعجب به سلطان المقاطعة التي كان يحيا بها وعينه قاضيًا شرعيًا وخطيبًا بالجامع العباسي .
جهوده بمكة المكرمة :
جاء الشيخ عبد الحق الهاشمي إلى مكة لأداء مناسك الحج ، وجالس هناك كبار العلماء الذين وجدوا فيه من العلم أكثره ، فطلبوا منه أن يبقى بمكة لينهلوا من معينه ، وبالفعل صدر مرسوم ملكي بتعينه مدرسًا في المسجد الحرام عام 1367 هـ ، فعمل بتدريس الكتاب والسنة ومسند الإمام أحمد ، وتفسير القرآن الكريم بالحرم المكي ، وقام بشحن مكتبته النفيسة لاسيما في علوم الحديث إلى مكه المكرمة التي ظل بها حتى وفاته .
وفاته :
توفي الشيخ عبد الحق عن عمر ناهز التسعين عامًا بمكة المكرمة ، بعد مشوار طويل في العلم الديني والتعليم الصحيح ، وقد فقدت الأمة بوفاته عالمًا جليلًا أفنى عمره في نشر العلم الشرعي ، وسنة المصطفى عليه السلام ، وترك من ذريته العلامة أبو تراب الظاهري ، والشيخ أبو خالد عبد الوكيل الهاشمي ، ليستكملوا رسالة الشيخ الجليل في نشر العلم.