انسحبت فلول القوات البيزنطية بعد معركة أجنادين إلى دمشق ، وتحصنت فيها في حين عاد تيودور أخو هرقل إلى القسطنطينية ، وكان الإمبراطور يتابع تطورات الموقف العسكري .
خطة الإمبراطور :
فأمر بتجميع القوات البيزنطية المنتشرة في جنوبي بلاد الشام في فحل (بيسان) ، الواقعة على الطريق بين الأردن ودمشق وأرسل في الوقت نفسه جيشًا من حمص ، يقدر بعشرة آلاف مقاتل بقيادة درنجارين ، باتجاه دمشق وذلك بهدف الإطباق على المسلمين من الجنوب والشمال والقضاء عليهم ، وإنقاذ دمشق المحاصرة من قبلهم ثم غادر حمص إلى أنطاكية .
وصل الدرنجاران إلى بعلبك وعلما وهما فيها ، بهزيمة البيزنطيين في مرج الصفر، فتوقفا عن الزحف وأقاما في المدينة ، وكتبا بذلك إلى هرقل وانتظرا تعليماته .
خطة المسلمين :
نتيجة لهذه التطورات العسكرية عقد أبو عبيدة وخالد بن الوليد ، اجتماعًا تشاورا فيه بشأن كيفية الخروج من هذا المأزق ، فتقرر أن يهاجم خالد بن الوليد القوة البيزنطية المتمركزة في بعلبك ، لمنعها من التقدم ومساعدة القوى البيزنطية في جنوبي بلاد الشام .
ومن جهة أخرى تلقت قيادة الجيش البيزنطي في بعلبك أمرًا من هرقل بالتقدم إلى الجنوب ، والانضمام إلى القوة المتمركزة في فحل (بيسان) وعندما وصل خالد بن الوليد إلى بعلبك ، على رأس خمسة آلاف مقاتل لم يجد فيها الجيش البيزنطي ، وأخبر بأن أفراده توجهوا إلى الأردن ، فأغار على نواحي المدينة وعاد إلى أبي عبيدة أمام دمشق ، فأخبره الخبر وتشاور معه في الأمر فتقرر أن يسير أبو عبيدة ، بجموع المسلمين إلى فحل (بيسان) ، لضرب القوة البيزنطية المتمركزة هناك ، وأن يتقدم خالدبن الوليد الجيش كطليعة على أن يبقى يزيد بن أبي سفيان حول دمشق .
كفة الصراع تميل لجيش المسلمين :
وتوافد المسلمون إلى فحل (بيسان) ، وانحاز إليهم بعض العرب المتنصرة من لخم ، وجذام ، وغسان ، وعاملة ، والقين ، وقضاعة بعد أن أدركوا أن كفة الصراع ، بدأت تميل لصالح المسلمين .
موقف النصارى من المعركة :
وتردد نصارى فحل والواقع أن القبائل المتنصرة ، كانت تغير مواقفها من المسلمين كلما جمع البيزنطيون حشدًا جديدًا ، وكانت أكثر القبائل التي كانت لها مصلحة بالارتباط بالبيزنطيين هم الغساسنة .
ويبدو أن انتصار المسلمين في معركة أجنادين قد جعل القبائل المتنصرة تفكر جديًا في الانحياز إلى أحد الجانبين ، فكان أن انقسمت في هذه المعركة إلى قسمين ، الأول : سارع بالانحياز إلى المسلمين ، الثاني : انتظر ما ينجلي عليه الموقف ، وربما غير موقفه بعد أن وصلت إمدادات بيزنطية إلى فحل .
تقدم جيش المسلمين :
وحشد البيزنطيون زهاء ثمانين ألفًا ، بقيادة سقلار بن مخراق ، ودمروا سدود الأنهار الغربية لعرقلة ، تقدم المسلمين وخشية من أن يفاجئوهم فامتلأت الأرض بالماء من بيسان إلى فحل ، وعلى الرغم من ذلك فقد تقدم المسلمون نحو البيزنطيين ، ونفذوا غارات خاطفة وسريعة على القرى والرساتيق والزروع في وادي الأردن ، ومرج إبن عامر وراء بيسان ووادي نهر الجالود ، فقطعوا بذلك مصادر التموين والمدد عنهم ، ويبدو أن عرب الأردن تضايقوا وأرادوا أن يحموا أنفسهم ، فاجتمع زعيمهم ابن الجعيد بأبي عبيدة وصالحه على سواد الأردن .
محاولة البيزنطيون التفاهم مع المسلمين :
وحاول البيزنطيون التفاهم مع المسلمين لتفادي وقوع اشتباك بينهم ، فعرض القائد البيزنطي التنازل عن إقليم البلقاء ، وتلك المنطقة من الأردن تتصل بالجزيرة العربية مقابل انسحاب المسلمين ، فرفض المسلمون هذا الاقتراح لم ييأس سقلار من التوصل إلى تفاهم ، مع أبي عبيدة فأرسل إليه رسولًا خاصًا عرض عليه منح كل جندي مسلم دينارين ، مقابل الرحيل فرفض أبو عبيدة هذا العرض أيضًا ، لأن القضية لا تتعلق ببضعة آلاف من الدنانير أو الدراهم ، وإنما هي قضية مبدأ ديني اعتقادي عندئذ كان لابد من الاشتباك العسكري لتقرير مصير الصراع .
معركة فحل :
وعبأ الطرفان قواتهما استعدادًا للقتال ، واشتبكا في رحي معركة ضارية انتهت بانتصار المسلمين ، فقذفوا البيزنطيين في الوحول التي حاولوا هم قذفهم فيها ، وهزم سقلار وجنوده وقتل منهم ما يقارب العشرة آلاف مقاتل ، كان سقلار من بينهم وتفرق من نجار في مدن الشام ، ولحق بعضهم بهرقل في أنطاكية وجرت المعركة في (28 ذي القعدة عام 13 هـ ) ويوافق (23 يناير عام 635م) .
فتح فحل :
فتحت هذه المعركة الطريق أمام المسلمين ، فسيطروا على جميع مدن وقرى إقليم الأردن بسهولة ، مثل بيسان وطبرية وأضحوا في رغد من الخصب ، والعيش واضطر السكان إلى طلب الأمان ، وكتبت عهود الصلح في كل مكان بمنح الأمان ، على أرواح المغلوبين وأموالهم وأرضهم وكنائسهم ، وأماكن عبادتهم مقابل الجزية .
نكسة البيزنطيين أمام جيش المسلمين :
الواقع أن البيزنطيين تعرضوا لنكسة أخرى أمام المسلمين ، الذين رجحت كفاءة فرسانهم أمام فرار هؤلاء ، كما أن وعي القيادة الإسلامية أفشلت الخطة التي وضعوها على أساس إرباك المسلمين ، ومفاجأتهم وارتكب سقلار خطأ عسكريًا جسيمًا ، عندما أهمل بث العيون في معسكر المسلمين .
مما حرمه من الحصول على معلومات ضرورية مساعدة ، بالإضافة إلى ذلك فإنه فقد خط الرجعة إلى بيسان ، حين أسند ظهره إلى مستنقعات الوحول التي أحدثها بتدمير السدود ، وعندما حاول التراجع تحت ضغط القتال ، وقع جنوده في الوحول فتعذر عليهم السير فيها ، فكانوا هدفًا سهلًا للمسلمين .