إن تاريخ العالم الجاهلي اشتهر بكثرة الحروب والنزاعات بين القبائل المختلفة ، والجدير بالذكر أن معظم أسباب تلك الحروب التي استنزفت الكثير من الدماء كانت لأمور لا قيمة لها أي أنها كانت تُعد من توافه الأسباب ، والتي عملت على إراقة الكثير من الدماء وإزهاق الأرواح دون وجه حق .
استباحت القبائل دماء بعضها البعض لأسباب واهية كان بإمكانهم معالجتها بجلسة تراضي بين الطرفين المتنازعين ؛ ولكن الكبرياء والتعجرف وجهل الأنفس جعل من الحروب أسهل الطرق وأكثرها ، ومن أهم تلك الحروب والتي دامت لمدة أربعين عامًا هي حرب داحس والغبراء .
واسم داحس هو لحصان كان يمتلكه قيس بن زهير العبسي من قبيلة بني عبس ؛ أما الغبراء هي اسم أُطلق على فرس كان يمتلكه حذيفة بن بدر من قبيلة بني ذيبان ، وقيل أن الرواية الصحيحة هي أن داحس والغبراء كانا ملكًا لقيس بن زهير .
واختلفت الروايات التاريخية أيضًا عن أصل بداية النزاع ؛ حيث هناك من أخبر أن السبب هو حينما اتفق حذيفة وقيس على أن يقيما مسابقة بين داحس والغبراء ليحددا مَنْ الأسرع والأقوى على اعتبار أن داحس لقيس والغبراء لحذيفة ؛ وخصصا جائزة مقدارها مائة بعير لمن يفوز في المسابقة ، وكانت رحلة السباق طويلة تستغرق عدة أيام في الصحاري والغابات .
والرواية الأرجح هي أن السبب هو غضب الملك النعمان بن المنذر من قبيلة ذيبان بسبب عدم حمايتهم لقوافله من تعدي الحجاج عليها ؛ فقرر أن يجعلهم تحت حماية قبيلة عبس ؛ مما أثار غضب بني ذيبان فقرروا إقامة المسابقة بين داحس والغبراء مخصصين لكل قبيلة واحدا من أجل الفوز بحماية قوافل النعمان ، والفوز بمائة بعير .
كانت الاتفاقية واضحة وقبلها الطرفان ؛ إلا أن حذيفة الذبياني أخلّ بشروط المسابقة وقام بخداع قيس ؛ حيث طلب من المخلصين له من بني قبيلته أن يختبئوا بأماكن متفرقة في طريق المسابقة لمتابعة داحس والغبراء حتى إذا وجدوا أن الغبراء قد سبقت داحس ؛ وقيل أيضا العكس تبعًا لما تم تخصيصه من الحصانين لكل طرف ؛ فعليهم بتخويفها وترويع قيس العبسي ؛ وبالفعل قاموا بما أمرهم به حمل الذبياني .
اشتعلت نار الفتنة بين قبيلتي عبس وذبيان ؛ وهما عدة قبائل عربية كانت موجودة بنجد ؛ بعدما قام الذبياني بخديعة نظيره ؛ على الرغم من أن القبيلتين في الأساس أولاد عم ، وقام واحدًا من بني الذبيان بالتطاول على قيس العبسي الذي ثار لنفسه فقام بقتله ؛ ثم قامت القائمة الكبرى حيث هجمت قبيلة بني الذبيان على العبسيين فقتلت شقيق قيس .
دامت حرب داحس والغبراء أربعين عامًا في قتال أبرزت المهارات القتالية وكذلك الشعرية لكبار شعراء الجاهلية ، وكان من أبرز شعراء بني عبس آنذاك هو عنترة بن شداد الذي ظهرت قوته ومهاراته في فنون القتال خلال تلك الحرب الطويلة .
انتهت الحرب بهزيمة قبيلة عبس ؛ تلك الحرب التي تُعد من أطول الحروب التاريخية في العصر الجاهلي قد استهلكت من قوة العرب ومن أرواحهم وحياتهم التي تبدلت إلى الأسوأ بصورة لا منطقية ولأسباب تافهة بلا معنى .