معركة النهروان هي واحدة من المعارك الإسلامية المبكرة التي وقعت سنة 38هـ بين سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والخوارج الذين تمردوا على خلافته ، وعاثوا في الأرض مفسدين ، والنهروان منطقة تقع غرب دجلة وقد كانت تلك الواقعة الثالثة لسيدنا علي بعد الجمل وصفين .
أسباب الحرب :
كان نشوب تلك المعركة نتيجة لما حدث في موقعة صفين بين معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب ، والتي انتهت بالاتفاق على التحكيم حيث قام الجنود برفع المصاحف على أسنة الرماح ؛ كإشارة للاحتكام بكتاب الله عزوجل .
حدث الاحتكام ولكن ظلت هناك جماعة رافضة لذلك التحكيم كان قوامها اثنا عشر ألف رجل تحت قيادة عبدالله بن وهب الراسبي ، رفضوا التحكيم رفضًا باتًا ورفعوا شعارهم الشهير : لا حكم إلا حكم الله ، ووقعت المعركة بين الطرفين ونصر الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولم ينج من الخوارج إلا أربعين شخصًا فقط .
وقد أمر سيدنا علي بن أبي طالب المسلمين ألا يبادروا هم بالقتال حتى يبدأ الخوارج ، وما قدم لقتالهم إلا حينما عصوا وتجبروا وبدؤوا بسفك الدماء المحرمة ، ومنها ذبحهم للصحابي الجليل عبدالله بن خباب وبقر بطن زوجته الحامل .
فطلب منهم الإمام تسليم القتلة ليقتص منهم ولكنهم أبوا وعاندوا واستكبروا ، فطلب منهم هم القصاص من القتلة ، ولما لما يقيموا حد الله سار لهم بجيشه في شهر محرم من عام 38 هـ ، وعسكر على الضفة الغربية لنهر النهروان ، بينما عسكر الخوارج على الضفة الشرقية .
نشوب الحرب :
حينما أيقن الأمان علي بن أبي طالب أن الخوارج تمادوا في غيهم وأصروا على الجنوح للحرب ، جهز جيشًا من أربعة عشر ألف مقاتل ورفع الراية وانضم إليه ألفي رجل ثم قال من التجأ إلى تلك الراية فهو أمن ، فكان رضي الله عنه يجنح للسلم حتى أخر لحظة .
وبعدها تواجه الفريقان ووقفا مستعدان ، فقال فروة بن نوفل الأشجعي لقومه وكان أحد رؤساء الخوارج : يا قوم والله ما ندري علام نقاتل عليًا رضي الله عنه ، وليست لنا في قتله حجة ولا بيان ، يا قوم انصرفوا بنا حتى تنفذ لنا البصيرة في قتاله أو إتباعه .
وبعدها ترك صفوف القتال هو وخمسمائة رجل ، وخرجت طائفة أخرى منهم إلى الكوفة ، ومضى البعض إلى جيش سيدنا علي ، وأخذ جيش الخوارج يتفكك حتى صار مع ابن وهب الراسبي ألف وثمانمائة فارس ، وفي قول أخر ألف وخمسمائة .
وقد قتل معظمهم ولم ينجو منهم إلا العشرات ، أما جيش الإمام فلم يقتل منها إلا قلة قليلة ، في مقولة قيل تسعة وأخر قيل اثنا عشر رجل ، وعلى كل هي لم تزد عن العشرات ، وقد كانت تلك الحرب خاسرة للخوارج بكل المقاييس .
ولولا شفقة الإمام بهم لأفناهم جميعهم يومها ، فقد أمر جيشه ألا يتبعوا فارًا ولا يجهزوا على جريح ولا يمثلوا بقتيل ، حتى غنائمهم لم يأخذ منها شيئًا إلا السلاح قسمه على رجاله ، وقيل أن سيدنا علي لم يسبي لا في الجمل ولا في النهروان .
مقتل ذو الثدية وصدق الإمام :
لقد كانت فتنة الخوارج أعظم الفتن التي مر بها الإسلام على مر الزمن ، وكان علي ابن أبي طالب دائمًا ما يتحدث عنهم كما وصفهم الرسول ، ومن هؤلاء رجل يدعى ذي الثدية ، وكان مقتله في تلك الحرب دليلًا على صدق سيدنا علي ، لذا انهمك المسلمون بعد المعركة في البحث عنه حتى وجدوه أسفل كومة من القتلى بالقرب من النهر .
فلما عثروا عليه كبر الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال : صدق الله وبلغ رسوله ويسجد بعدها سجود شكٍر لله رب العالمين ، وكبر الناس من بعده واستبشروا ، فقد كانت هذه علامة كبرى على أن الإمام كان دائمًا على حق ، وانتهت المعركة بنصر وفتح مبين .