قصة الحرب الأهلية الإسبانية

كانت إسبانيا وجهة مفضلة للشيوعيين إبان مطلع القرن العشرين ، من أجل نشر دعايتهم بسبب فساد الطبقة الأرستقراطية الحاكمة ، التي نهبت دون تردد كل الثروات على حساب الشعب .

وبالتالي حافظت إسبانيا على الملكية والتقاليد الدينية الكاثوليكية ، نظرًا لنفوذ الكنيسة آنذاك بها ، بينما سقطت الملكيات الكاثوليكية في جميع أنحاء أوروبا ، إما بسبب إصلاحات دينية كما حدث ببريطانيا في فترة مطلع القرن السادس عشر ، أو بسبب الثورات كما حدث في فرنسا في عام 1789م ، أو بسبب اندلاع الحروب كما حدث في النمسا عندما تأججت الحرب العالمية الأولى .

كما نجحت الثورة الشيوعية في روسيا عندما اندلعت في عام 1917م ، وبعدها بعام واحد في 1918م تم تشكيل الاتحاد السوفيتي السابق ، كانت السياسة السوفيتية الجديدة في أعقاب الثورة ، تتجه نحو خلق طبقة كادحة على غرار النظام السوفيتي ، وإنشاء اتحاد دولي بين عدد من الجمهوريات السوفيتية .

بعد تحطيم الحكومات الرأسمالية على مستوى العالم ، وبالطبع خلق هذا حالة متأججة من الثورات في كافة أنحاء أوروبا فيما بعد ، كان أهمها الثورة الإسبانية ، والتي اتجه فيها الشيوعيون للاستيلاء عن الحكم وإلغاء النظام الملكي ، وبدؤوا في المطالبة بالتغيير .

بحلول يوليو 1936م اندلعت حرب أهلية في إسبانيا ، كانت من أهم أسبابها انطلاق الثورة إبان فترة الجمهورية الديمقراطية الثانية بها ، وذلك قبل خمس سنوات ، أي عام 1931م ، كذلك تسببت الديمقراطية في إحداث حراكًا واسع النطاق شمل الجانبين السياسي والاجتماعي ، بينما انخرط اليسار في الحركات المسجلة للعصيان والتي شهدت أربعة حركات في الأعوام ما بين 1932م ، و1934م .

وبحلول عام 1935م تم تشكيل جبهة شعبية جمعت بين التيارين اليساريين الثوري والمعتدل ، وربحا الانتخابات عام 1936م ، والتي تمخضت عن حكومة مكونة من أقلية من اليسار المعتدل ، في مواجهة أغلبية من اليسار الثوري الذي أخذ على عاتقه الإفساد للانتخابات ، ونهب الممتلكات ، بالإضافة إلى عنفهم الواضح واضطراباتهم المتتالية .

هذا النسيج المجتمع غير المتكافئ نجح في استقطاب طرفين من اليسار المعتدل والثوري ، وخروجهما في مواجهات حية تسبب في اندلاع ثورة مسلحة ، نجحت في إخراج نصف الجيش بمباركة المليشيات اليمينة .

وفي نفس الوقت تخلت الحكومة عن مهام حكمها الدستورية ، وبدأت في تسليح الشعب بإعطائه أسلحة وسلطة للثوريين ، وبالتالي اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية في الفترة بين عامي 1936م و1937م ، والتي وصفت بأنها كانت الثورة الأكثر حدة في تاريخ ثورات أوروبا الحديثة ، باستثناء الثورة الروسية عام 1917م .

جرى قتل أكثر من سبعة آلاف شخصًا من المناوئين للكنيسة الكاثوليكية ، حتى أنها وصفت بالإرهاب الأحمر المتوسع ، وتم تدمير عددًا لا يحصى من الكنائس خلالها ، وقضي على حوالي خمسة وخمسون ألفًا في المنطقة الخاضعة للجمهوريين .

وعقب مرور شهرين على اندلاع الثورة الإسبانية ، انتخب المتمردون العسكريون الجنرال فرانسيسكو رئيسًا للدولة ، وعقب توليه السلطة تعاون بشكل ناجح مع كل من ألمانيا النازية ، وإيطاليا الفاشية ، وانتهى الأمر بقيام المتمردون بتسمية أنفسهم أبطالاً قوميون ، وتمت تصفية وحشية لكل المناوئين لهم .

وبحلول إبريل من عام 1937م ، أسس فرانكو دولة الحزب الواحد تقليدًا للنموذج الإيطالي ، وتم تأسيس وحدة شاملة جمعت كافة القوى اليمينية تحت مظلة واحدة ، مما مكّنه من التركيز بشكل أكبر مع جهود الحرب ، واستطاع قيادة القوات العسكرية بطريقة أكثر مهنية .

اعتمدت الجمهورية الثورية العسكرية على مليشيات غير منظمة ، مما أدى لخسارتها كافة معاركها كافة ، فقامت جمهورية جديدة في نهاية عام 1937م ، برئاسة فرانسيسكو لارجو كاباليرو ، والتي ضمن كافة القوى اليسارية تحت مظلتها.

وبنصيحة من بريطانيا العظمى ابتعدت فرنسا عن ساحة القتال ، وقررت عدم التورط داخل إسبانيا ، على الرغم من تدخل العديد من الحكومات الأوربية بها ، وتورط كل من ألمانيا وإيطاليا وروسيا في الحرب .

أيدت ألمانيا وإيطاليا حكومة فراكنو ، بينما وقفت روسيا في صف الجمهوريين ، فقام ستالين بإرسال المساعدة للجمهوريين في مقابل شحن احتياطي الذهب الإسباني إلى موسكو العاصمة .

بالطبع تفوقت الطائرات السوفيتية على السلاح الذي تم تزويد الطرف الآخر به ، بصحبة العديد من المستشارين العسكريين وهي قوة تطوعية ، مما أدى إلى تحول الحرب في نهاية عام 1936م إلى صراع منهك للغاية .

أدت الأوضاع وسيطرة روسيا على ساحة القتال ، إلى توسع رقعة الشيوعيين في إسبانيا ، وأصبح قوة رئيسة إلى الجانب الجمهوري ، وبالتالي تم كبح ثورة اليسار ، ومع التدخل الروسي ، أرسلت كل من ألمانيا وإيطاليا فيالق من جيشيهما بقوة خمسين ألف مقاتل ، إلى جانب وحدات الطائرات والكوماندوز .

وفي عام 1937م نجح فرانكو في الاستيلاء على المنطقة الشمالية التي كانت تتبع جبهة الجمهوريين ، وبحلول عام 1938م استطاع فرانكو أن يقسم جبهة الجمهوريين إلى قسمين ، باقتحامه منطقة آراجون عبر المتوسط .

وعلى الرغم من رغبة إيطاليا في حدوث انتصار قومي ، تنتشر أرجائه في كافة أنحاء أوروبا ، إلا أن ألمانيا بقيادة هتلر أرادت أن تظل الحرب مشتعلة ، حتى تلهي الأنظار بعيدًا عن قيام ألمانيا بإعادة التسليح استعدادًا للتوسع في أوربا الوسطى .

وبالنظر إلى كافة أطراف الحرب الأهلية في إسبانيا ، نجد أن قوميو فرانكو قد مارسوا فاشية من جانبهم ، في حين لم يكن صف الجمهوريين ديمقراطيًا كما كانوا يصفون أنفسهم .

حققت كل من إيطاليا وألمانيا أهدافهما في إسبانيا ، ثم جمعتا قواتهما لخوض الحرب العالمية الثانية ، بينما خفقت السياسية الروسية في إسبانيا ، وكانت الحرب الإسبانية ساحة لاستخدام العديد من الأسلحة الحديثة وتجريبها ، واستفادت خلالها روسيا العسكرية من أخطائها ، في حين تعلمت ألمانيا دروسًا فارقة في استخدام الأسلحة ، ولكنها فشلت في تحسين قواتها ، بينما ابتعد فرانكو المنتصر في النهاية عن إيقاع الحرب العالمية الثانية وتفاصيلها ، إلى أن مات عام 1975م .

سقطت برشلونة بحلول عام 1939م  بدون مقاومة ، وفر المقاتلون جميعهم إلى فرنسا حيث وجدوا بها ملاذًا آمنًا ، حيث هرب نصف مليون إسباني لاجيء نحو فرنسا ، عقب ملاحقة قوات فرانكو لهم ، وكان من بينهم سياسيون وثوريون ـ ووزراء وهم لا يعلمون لماذا ساءت الأمور إلى هذا الحد .

بينما اشترطت فرنسا على اللاجئين التابعين للجمهوريين بأن يسلموا أسلحتهم أولاً ، خاصة بعد اعتراف دول العالم بحكومة فرانكو ، حيث كان السفير بيتان أو سفيرًا فرنسيًا لدى إسبانيا .

وسقطت مدريد بالنهاية واستلمت لقوات فرانكو ، الذي بدأ في تصفية حساباته بوحشية ومع معارضيه ، وأصدر فرانكو بيانًا قال فيه أن كافة المعارضين هم أعداء للوطن ويجب التخلص منهم ، وبدأت عملية تصفية بلغ عدد ضحاياها إبان تلك الحرب ستمائة ألف إسباني ، ودُمرت إسبانيا بشكل سيء أدى إلى استهلاك عشرون عامًا لإصلاحها مرة أخرى .

ماتت كافة المثاليات التي قامت الحرب من أجلها في الأساس ، وتحول الحكم إلى حكم فرانكو طيلة أربعين عامًا ، عقب مغادرة الدول الثلاث لإسبانيا وانشغالهم بالحرب العالمية الثانية ، بينما بقيت إسبانيا بعيدة عن مسرح الأحداث ، التي خاضها العالم أجمع في الحرب العالمية الثانية .