انتشرت الحروب بين العرب في الجاهلية لعدة أسباب منها التنازع على موارد الماء ومنابت الكلأ والعشب ، وأغلب أيامهم كانت للتعصب للقبلي ، وأخذ الثأر ، والرغبة في السيطرة وبسط النفوذ على القبائل الأخرى ، فإن القبائل العربية في الجاهلية كانت قبائل متناحرة متنافرة لم يكن يجمعهم مجتمع واحد يقوم على أساس متين .

وكان الولاء الدائم للقبيلة ولم يؤلف بينهم إلا الإسلام فأصبحوا بنعمة الله إخوانًا ، وتذكر المصادر التاريخية الكثير من أيام العرب وحروبها والمواقف البطولية والأمجاد الشعرية التي يسجلها شعراء الطرفين المتناحرين ، فالشعر ديوان العرب ، وكان مصدرًا أساسيًا نأخذ منه أخبار العرب وأيامهم وأنسابهم .

والحروب التي وقعت بين العرب مختلفة فمنها ما وقع بين بطون القبيلة الواحدة ، ومنها ما وقع بين قبيلتين من أصل واحدة ، ومنها ما وقع بين قبائل من أصول مختلفة ، ومنها ما وقع بين العرب والعجم ، ومقالنا اليوم عن حرب وقعت بين قبيلتين من أصل واحد هما قبيلتا عبس وذبيان ، وسميت حرب داحس والغبراء .

أصل تسمية الحرب بهذا الاسم :
ترجع تسمية هذه الحرب التي دارت بين فرعين من أشهر فروع بني عطفان بهذا الاسم نسبة إلى فرسين في الجاهلية ، وهما من أجود فرس الجاهلية ، ولا يشق غبارهما ، حيث راهن أصحابها عليهما لحماية قوافل أبي قابوس النعمان بن المنذر ملك المناذرة .

أسباب الحرب :
يعود السبب المباشر في نشوب الحرب بين القبيلتين إلى السباق الذي وقع بين الفرسين المذكورين ، ومحاولة سادة أحدهم ومستشاريه اعتراض طريق الآخر ليفوز هو بالرهان بفوز فرسه ، وكان الغدر من جانب بني ذبيان .

بدايات الخلاف بين الخصمين :
بداية الخلاف بين الخصمين منذ البداية بعد اعتراض طريق قافلة الحج التابعة للمناذرة وسرقتها ، مما سبب حنق النعمان على حُمَاتِها (بني ذبيان) ، وهو الطرف الأول في النزاع ، فقرر أن يرسل إلى العبسي قيس بن زهير وهو الطرف الثاني من النزاع طالِبًا منه حمايتها ، وملبيًا الشروط التي اشترطها العبسي جميعها ، واشتعلت نيران الغيرة والحقد في قلب الذبياني ؛ تعصبًا لقبيلته فذلك نقصانٌ من قدرهم ، وطعنٌ في قوتهم ومقدرتهم على حماية القافلة ، فقرر أن يخرج لملاقاة خصمه .

أحداث يوم اللقاء :
كان يوم خروج الذبياني هو يوم سباقٍ في الجاهلية فراهن الخصمان على الفرسين لحماية القافلة ، وكان من المعروف في الجاهلية أن هذين الفرسين لا يشق غبارهما على كل حال ، فإن فاز أحدهما وتفوق على صاحبه فهو بحق يستحق الفوز لجدارته .

ولكن حدث أن تدخلت سادة ذبيان في سير الأحداث رغبة منهم في الحفاظ على مكانتهم في حماية قافلة النعمان ، فأعدوا كمينًا في طريق فرس خصمهم العبسي لينحرف عن طريقه ، وتتقدم الغبراء ، ففي بداية السباق تقدم داحس ولم يشك أحد في فوزه ، إلى أن وصل الكمين وانحرف مساره وتقدمت الغبراء ، وطالب أصاحبها بحق الحماية ، ولكن اكتشف الأمر سريعًا ونشبت الحرب التي دامت أربعين عامًا لهذا السبب .

تدخل العرب في الحرب :
عندما اشتعلت نيران الحرب ودق الجانبان طبولها استعدت بعض العرب لمناصرة الجانبين ثأرًا من الجانب الآخر ، فهذه التحالفات غرضها الأساسي المصلحة ، وقُتل بها نخبة من الأبطال منهم عنترة الشاعر الفارس الذي قتل في هذه المعركة مع نخبه من أبطال القبيلتين ، وشعرائهم مثل عروة بن الورد .

نهاية المعركة :
لكل أمر نهاية ومع كل هذه الخسائر والقتلى الذين خلفتهم هذه الحرب ، فقد انتهت بتدخل شرفاء ذبيان ودفعهم ديات القتلى ، وإخماد نيران هذه الحرب التي قضت على الأخضر واليابس ، وقد مدح الشعراء المعاصرون لها هذا العمل الجليل في أجود شعرهم وهو المعلقات وبالتحديد معلقة زهير بن أبي سُلمى .

By Lars