“التدخين الجديد” مُصطلح يُطلق على الجلوس بشكل عام، لما له من آثار ضارة بصحة القلب، فقد كثر الجلوس على الأريكة لمتابعة الأفلام، ومشاهدة حلقات متتابعة من مسلسل تلفزيوني دفعة واحدة، في نهاية الأسبوع مثلا.

وشهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا في شعبية خدمات البث المباشر بشكل ملحوظ عالميا، باعتبارها وسيلة سهلة لتسلية الأسرة، حيث يحظى هذا البث باهتمام 9 من كل 10 بالغين بريطانيين، أعمارهم بين 18 و24 عاما.

ففي المملكة المتحدة وحدها “يشترك نحو خُمس المنازل في منصات البث المباشر الثلاث الأكثر شهرة: نتفليكس، وأمازون، وديزني، بتكلفة تبلغ نحو 300 جنيه إسترليني سنويا، ويقضي من تزيد أعمارهم على 65 عاما ما يقرب من ثلث يومهم أمام التلفاز”، وإن كان النصف الأول من عام 2022 “قد شهد انخفاضا لأول مرة في أعداد المشتركين على مستوى العالم، لارتفاع تكلفة المعيشة على ميزانية الأسرة.

ورغم أن إلهاء أنفسنا بمشاهدة مسلسل أو فيلم جيد قد يُشكل فرصة للتسلية والتخفف من الضغوط، فإن الأمر يختلف عندما يتحول إلى حالة تسمى “النهم أو الشراهة في المشاهدة” (Binge-watching).

الشراهة يُحددها التأثير السلبي على الحياة

رغم أن معظم الباحثين يرون أن نهم المشاهدة “يبدأ من متابعة حلقتين متتاليتين من مسلسل تلفزيوني”، فإن مارك غريفيث، أستاذ الإدمان السلوكي بجامعة نوتنغهام، يعتمد مقياسا يراه أهم، هو “مدى التأثير السلبي للمشاهدة على حياة الشخص”.

ففي دراسة نُشرت أواخر عام 2021، وبعد سؤال 645 شابا، شاهدوا حلقتين على الأقل من مسلسل في جلسة واحدة؛ عن عدد المرات التي أهملوا فيها واجباتهم لمشاهدة المسلسلات، وعدد المرات التي شعروا فيها بالحزن أو الغضب عندما لم يتمكنوا من مشاهدة المسلسل، وعدد المرات التي أهملوا نومهم لمشاهدة المسلسلات بنهم، وجد الباحثون أن “صعوبة التحكم في الانفعالات، والرغبة في الهروب من المشكلات، وتجنب الشعور بالوحدة؛ عوامل تنبئ بشراهة المشاهدة بشكل كبير”.

كما أفاد باحثون في دراسة سابقة بأن “شراهة المشاهدة لها ارتباط بالقلق والاكتئاب، فكلما زادت أعراض القلق والاكتئاب زادت المشاهدة بنهم”.

لذا، يقترح غريفيث وضع “حدود واقعية للمشاهدة”؛ تبدأ من 2.5 ساعة في أيام العمل، ولا تتجاوز 5 ساعات في الإجازات، “بشرط أن تكون بعد الانتهاء من متطلبات العمل والالتزامات الاجتماعية”.

كما يوصي بمراجعة الطبيب عند الشعور بتأثير المشاهدة المفرطة على مجريات الحياة اليومية.

وفقا لما ذكره الخبراء لصحيفة “إندبندنت” (Independent) البريطانية، يؤثر نهم المشاهدة على:

البطن
تحذر استشارية أمراض الجهاز الهضمي الدكتورة ليزا داس من أن الجلوس أمام التلفاز ساعات طويلة، لمتابعة نتفليكس وخدمات البث الأخرى، والذي يرتبط غالبا بتناول الوجبات الخفيفة طوال الوقت، من دون كثير من الحركة، “يتسبب في إبطاء الأمعاء لعملية الهضم، وقد يؤدي بدوره إلى ظهور أعراض مثل الانتفاخ والارتجاع والإمساك”.

وتضيف أن “الأكل المشتت أثناء المشاهدة يحرمنا من التفاعل الاجتماعي الذي يوفره التجمع وتبادل الحديث حول المائدة، والذي يُعدّ ضروريا جدا لإيصال الإشارات إلى أمعائنا، كما يحرمنا من لذة تذوق ما نأكل، فلا ندري حتى نصل إلى حد الشعور بالامتلاء”.

العينين
قد لا تُصاب أعيننا بالحَوَل من مشاهدة التلفاز، لكن طول التحديق في الشاشة يؤثر بالتأكيد على العينين، وتُخبرنا هانا باتيل الخبيرة في طب الأسرة أن “مشاهدة التلفاز بنهم يمكن أن تؤدي إلى إجهاد العين، وتظهر أعراض ذلك في: صعوبة التركيز، والصداع، وعدم وضوح الرؤية أو ازدواجها، بالإضافة إلى الشعور بحرقة أو حكة في العينين”، كذلك “ترتبط متلازمة جفاف العين بقضاء وقت طويل أمام الشاشات، مما يجعل من المهم الحصول على فترات راحة منتظمة، تفاديا لتفاقمها”.

الدماغ
حسب الدكتور بال أثوال، استشاري طب الأعصاب بالمملكة المتحدة، “ما زالت الأدلة التي تشير إلى أن مشاهدة التلفاز بنهم لها تأثير سلبي على صحة الدماغ محدود”، لكنه يُضيف أن “هناك أيضا دراسات أولية تفيد بأنه يمكن للإفراط في المشاهدة أن يقلص المادة الرمادية في الدماغ (Gray Matter) مع التقدم في العمر، وهي عملية مرتبطة بالخرف وأمراض الدماغ الأخرى”.

الجسم ككل
“الإفراط في مشاهدة التلفاز قد يضر بالعضلات وبصحة القلب والأوعية الدموية بشكل خطير”؛ تحذير أطلقته الدكتورة سارة ديفيز مستشارة طب العضلات والعظام والرياضة، وأوضحت قائلة “إن الاسترخاء على الأريكة يتسبب في حدوث زيادة مفاجئة في إطالة الأنسجة الرخوة في البداية، تليها زيادة بطيئة ولكن مستمرة في طول الألياف، نتيجة الجلوس في هذا الوضع المترهل فترات طويلة”.

وهكذا، تستمر الأنسجة الرخوة في الإطالة عند التمدد على الأريكة، حتى ننهض “فتستغرق ألياف الكولاجين في الأنسجة الرخوة وقتا لاستعادة طولها الأصلي، مُسببة الشعور بالتصلب أو التنميل لبضع ثوان”، حسب ديفيز التي تحذر من أن “الجلوس بلا حراك فترات طويلة بسبب الاستغراق في المشاهدة يمكن أن يؤدي إلى تجمع الدم في الأوردة، ويُبطئ عودته إلى القلب عبر الأوعية الصغيرة؛ وذلك يعطله عن الوظائف الجسدية المهمة، ويقلل من كفاءة وفعالية الجسم ككل”.

الصحة العقلية
وبخصوص تأثير كثرة مشاهدة التلفاز على صحتنا العقلية، تتحدث فيل شاربلز الخبيرة في العلاج السلوكي المعرفي عن “وجود علاقة بين المشاهدة الشرهة، والاكتئاب والشعور بالفراغ والمزاج السيئ”، مشيرة إلى أن من يعانون من الاكتئاب أو القلق “قد يكونون أكثر اندفاعا نحو مزيد من المشاهدة، وذلك يؤثر على صحتهم الجسدية”.

وتقول أيضا “يمكن أن تؤدي شراهة المشاهدة إلى اضطراب النوم، وهو ما قد يسهم في ظهور مشاكل الصحة العقلية، مثل القلق والاكتئاب”.

وتنبه شاربلز إلى “أهمية التفكير في نوع البرامج التي تُشاهد بنهم”، فقد وجدت أبحاث حديثة أن برامج تلفزيون الواقع لها تأثير على الصحة العقلية لدى ما يقرب من ربع الذكور و3 أرباع الإناث من جيل الألفية وجيل “زد”، كما يمكن أن تؤدي المشاهدة بنهم إلى زيادة العزلة في المنزل، وانخفاض القدرة على عيش نمط حياة متوازن.

“الجزيرة” 

By Lars