قال عبد الله ابن عباس عن أبيه ، رضيّ الله عنهما : خرجت ليلة حالكة قاصدًا دار أمير المؤمنين ، عمر بن الخطاب رضيّ الله عنه ، فما وصلت إلى نصف الطريق إلا ورأيت شخصًا أعرابيًا جذبني من ثوبي ، وقال المزني يا عباس .

جولة عمر بن الخطاب بين أحياء العرب :
فتأملت الأعرابي فإذا هو أمير المؤمنين عمر ، وهو متنكر ، فتقدمت إليه ، وسلمت عليه ، وقلت له : إلى أين يا أمير المؤمنين ؟ قال : أريد جولة بين أحياء العرب في هذا الليل الدامس ، وكانت ليلة فَرٍ (برد) ، فتبعته فسار وأنا خلفه ، وجعل يجول بين خيام الأعراب وبيوتهم ويتأملها إلى أن أتينا على جميعها ، وأوشكنا على أن نخرج منها ، فنظرنا وإذا هناك خيمة فيها امرأة عجوز حولها صبية ، وأمامها أثافي (حجارة) عليها قدر ، وتحتها النار تشتعل ، وهي تقول للصبية : رويدا رويدا يا بني عما قليل ينضج الطعام فتأكلون .

عمر بن الخطاب والعجوز :
فوقفنا بعيدا هناك ، وجعل عمر يتأمل العجوز تارة ، وينظر إلى الأولاد أخرى ، فطال الوقوف ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، ما الذي يوقفك ؟ سر بنا .. فقال : والله لا أبرح حتى أراها صبت للصبية فأكلوا واكتفوا.. فوقفنا وقد طال وقوفنا جدا ومللنا المكان ، والصبية لا يزالون يصرخون ، ويبكون والعجوز تقول لهم مقالتها السابقة .

قال لي عمر : ادخل بنا عندها لنسألها فدخل ودخلت خلفه ، فقال لها عمر : السلام عليك يا خالة ، فردّت عليه السلام أحسن رد ، فقال لها : ما بال هؤلاء الصبية يتصارخون ويبكون ؟ ، فقالت : لما هم فيه من الجوع ، قال لها : ولم لا تطعميهم مما في القدر؟ فقالت له : وماذ في القدر لأطعمهم ؟ ليس هو إلا علالة فقط وليس لي شيء لأطعمهم منه .فتقدم عمر إلى القدر ونظرها ، فإذا فيها حصباء وعليها الماء المغلي ، فتعجب من ذلك وقال : ما المراد بذلك .

والله إنه ظلمني :
فقالت له : أوهمهم أنّ فيها شيئًا يطبخ فيؤكل فأعللهم به ، حتى إذا ضجروا وغلب النوم عليهم ناموا ، فقال لها عمر : ولماذا أنت هكذا ؟ فقالت له : أنا مقطوعة لا أخ ولا أب ، ولا زوج ولا قرابة .. فقال لها : لم لا تعرضين أمرك على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فيجعل لك شيئًا من بيت المال ؟ فقالت له : لا حيّا الله عمر ونكّس أعلامه ، والله إنه ظلمني.

فلما سمع عمر مقالتها ارتاع من ذلك ، وقال لها : يا خالة ، بما ظلمك عمر بن الخطاب ؟ فقالت له : نعم والله ظلمنا ، إن الراعي عليه ن يفتش عن حال كل رعيته ، لعله يجد فيها من هو مثلي ضيق اليد كثير الصبية ولا معين ولا مساعد له ، فيتولى لوازمه ويسمح له من بيت المال بما يقوته وعياله وصبيته .

من بيت المال  :
فعند ذلك قال لها عمر : عللي الصبية والساعة آتيك ، قال عباس : ثم خرج ، وخرجت معه ، وكان قد بقي من الليل ثلثه الأخير ، فمشينا والكلاب تنبحنا وأنا أطردها إلى أن انتهينا إلى بيت المال ففتحه وحده ودخل وأمرني فدخلت معه .

فنظر يمينا وشمالاً وعمد الى كيس من الدقيق يحتوي على مئة رطل ونيف ، فقال لي : يا عباس حوّل على كتفي فحملته إياه .. ثم قال لي : احمل انت جرة السمن هذه ، وأشار إلى جرة هناك فحملتها ، وخرجنا ، وأقفل الباب وسرنا وقد انهار من الدقيق على لحيته وعينيه وجبينه ، فمشينا وقد أتعبه الحمل ، لأن المكان كان بعيد المسافة ، فعرضت نفسي عليه ، وقلت له : بأبي وأمي يا أمير المؤمنين حوّل الكيس عنك ودعني أحمله. فقال : لا والله أنت لا تتحمل عني جزائي وظلمي يوم الدين .

حمل جبال الحديد :
واعلم يا عباس ، أنّ حمل جبال الحديد وثقلها خير من حمل الظلامة كبرت أو صغرت ، ولاسيما هذه العجوز تعللّ أولادها بالحصى ، يا له من ذنب عظيم عند الله !! سربنا.
وأسرع يا عباس قبل أن تضجر الصبية من العويل فيناموا كما قالت ، فسار وأسرع وأنا معه ، وهو ينهج من التعب إلى أن وصلنا خيمة العجوز ، فعند ذلك حول كيس الدقيق عن كتفه ووضعت جرة السمن أمامه ، فتقدم هو بذاته ، وأخذ القدر وكَبّ ما فيها  ، ووقع فيها السّمن ، وجعل بجانبه الدقيق ، ثم نظر فإذا النار كادت تطفأ .

حتى اشتعلت النار :
فقال للعجوز : أعندك حطب ، فقالت : نعم يا بني وأشارت إلى مكان الحطب ، فقام وجاء بقليل منه ، وكان الحطب أخضر ، فوضع منه في النار ، ووضع القدر على الأثافي ، وجعل ينكّس رأسه في الأرض ، وينفخ بفمه تحت القدر ، فوالله إني رأيت دخان الحطب يخرج من لحيته ، وقد كنس بها الأرض إذ كان يطأطئ رأسه ليتمكن من النفخ ، ولم يزل هكذا حتى اشتعلت النار ، وذاب السمن وابتدا غليانه ، فجعل يحرك السمن بعود في إحدى يديه ، ويخلط من الدقيق مع السمن باليد الأخرى ،إلى ان نضج والصبية حوله يتصارخون.
فلما طاب الطعام ، طلب من العجوز إناء ، فأتته به ، فجعل يصب الطبيخ في الإناء ويبرده ، ويلقم الصغار حتى شبعوا واكتفوا ، وقاموا يلعبون ويضحكون ، مع بعضهم إلى أن غلب عليهم النوم فناموا .

في دار الإمارة :
فالتف عمر عن ذلك إلى العجوز ، وقال لها : يا خالة ، أنا من قرابة أمير المؤمنين عمر ، وسأذكر له حالك ، فائتيني غدًا صباحًا في دار الإمارة فتجدني هناك لعلك تجدين خيرًا ، ثم ودعها عمر وخرج ، فخرجت معه ، فقال لي : ياعباس إني حين رأيت العجوز تعلل صبيتها بحصى أحسست أن الجبال قد زلزلت واستقرت على ظهري ، حتى إذا جئت بما جئت وأطعمتهم حيذئذ شعرت ، أن الجبال قد سقطت عن ظهري!. ثم أتى عمر داره وأمرني فدخلت معه وبتنا ليلتنا .

ولما كان الصباح أتت العجوز فاستغفرها ، وجعل لها ولصبيتها راتبًا من بيت المال تستوفيه شهرً فشهرًا ، وهكذا كان سيدنا عمربن الخطاب رضيّ الله عنه وأرضاه .

Lars

منشور له صلة

الأبراج والحياة الزوجية: كيف تؤثر الأبراج على العلاقات الزوجية وتوافق الزواج

الأبراج والحياة الزوجية: كيف تؤثر الأبراج على العلاقات الزوجية وتوافق الزواج العلاقة بين الأبراج والحياة…

ساعتين منذ

هل الأبراج حقيقة

هل الأبراج حقيقة تعد مسألة ما إذا كانت الأبراج حقيقة أو مجرد اعتقادات موضوعًا جدليًا،…

ساعتين منذ

حظك من اسمك

حظك من اسمك: كيف يؤثر اسمك على حياتك وشخصيتك تُعتبر الأسماء من الأمور التي تؤثر…

3 ساعات منذ

حساب البرج الطالع من ساعة الولادة

حساب البرج الطالع من ساعة الولادة حساب البرج الطالع (البرج الصاعد) باستخدام ساعة الولادة البرج…

3 ساعات منذ

حساب البرج الباطني

حساب البرج الباطني: مفهومه وطريقة حسابه البرج الباطني، والمعروف أيضًا بـ"البرج الصاعد" أو "البرج الروحي"،…

3 ساعات منذ

الأبراج حسب الاشهر بالانجليزي

الأبراج حسب الاشهر بالانجليزي إليك ترتيب الأبراج حسب الأشهر بالإنجليزية مع تواريخ كل برج: Capricorn…

3 ساعات منذ