يُروى أنه جاء يهودي إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، يتقاضاه دينا فجذب الرسول صلّ الله عليه وسلم من ثوبه ، وأغلظ في القول معه ، حيث قال : يا بني عبد المطلب أنتم قوم مطل ، فاغتاظ عمر بن الخطاب رضيّ الله عنه من هذا الفعل السيئ ، وهمّ بالانتقام من اليهودي ، ومقابلة الغلظة بالغلظة ، ولكن الرسول صلّ الله عليه وسلم لم تثر نفسه ، ولم يهج هائجه ، ولم ير للغضب أثر في وجهه ، بل كظم غيظه ، وكبح جماح نفسه .
رسول الله المثّل الأعلى في الحلم :
وقال لعمر بن الخطاب وهو يبتسم في وداعة الحليم ، وتؤدة الحكيم ، ورزانة العاقل : هناك ما هو خير من ذلك يا عمر ، ادعني إلى حسن الأداء ، ومره بحسن المطالبة ، فأطرق اليهودي ، ثم رفع رأسه ، وقال لرسول الله صلّ الله عليه وسلم : لقد عرفتك نبيًا بتطبيق البشائر عليك ، ولكن لم أر تطبيق الحلم عمليًا ، وها أنا قد رأيته وأنا (أشهد أن لا إله إلا الله وأنك يا محمد رسول الله) … ثم قضى المصطفى صلّ الله عليه وسلم ، للدائن دينه ، وطيّب خاطره ، على ما روعه عمر بن الخطاب .
الحلم عند ثورة الغضب :
ويُحكى أنه أرسل والد ابنه الصغير الوحيد إلى مكتب لتحفيظ القرآن ، فكان ولدًا مجتهدًا مواظبًا ، وبقي كذلك إلى أن بلغ أشده ، ثم انقلب على عقبيه ، وصار يتوانى وينصرف إلى اللهو ، ولم يلبس حتى أغراه أصحاب السوء ، فهرب من بيت أبيه إلى أماكن اللعب والفسق ، وجعل ينفق في ذلك أموالاً اختلسها من أبيه ، وانقطع عن المكتب .
بحث الوالد عن ولده :
فلما اكتشف والده جريمته تكدر كل الكدر ، وبحث عنه حتى أصابه ، فإذا به يلهو ويلعب ، وعندما رأى الوالد أباه أخذته الرعدة واكفهر وجهه خجلاً وخوفًا ، غير أن أباه كظم غيظه ، وناداه برفق ، وسأله عن سبب نفرته من المنزل ، فلم يجد الولد جوابًا يعتذر به ، إلا قوله : بأنه فقد الدنانير التي عهدت إليه ، وأوقفه الخجل ، عن أن يشاهد أباه ، فقال له والده : إنه ما كان ينبغي أن تخجل ، بل كان الواجب أن تنبئني بما حدث فأصدقك .
حكمة الأب وتصرفه مع الموقف :
ثم صاحبه إلى البيت ، وجالسه وسامره كأنه لم يحدث شئ ، ورأى الوالد أن فيما جرى عبرة لنفسه ، فلم يتغافل عن ولده ، وبقى يسامره ، ويروضه على الخير ، ويسدد خطواته ، فأفلح الولد .
استكمال الوفاء والأمانة :
فلو لم يكن هذا الوالد العاقل حازمًا ، ثابت الجأش ، لبادر ابنه حين رآه بالصفع ، وجره مهانا إلى المنزل ، ولطال الجدال والعراك فيزيد الولد نفورًا وتشردًا ، مسترسلاً في الغواية إلى حد لا مآب له منه ، ولو لم يكن حليمًا حكيمًا لملأ الأسماع والأنحاء تشنيعًا في ذنب ابنه ، وجعل يعيبه الآونة بعد الأخرى ، ولوضع له أقبح الصفات والأسماء ، ولكنه تجاوز عن هذا الذنب ، وطرد عن نفسه الغضب ، فحمد الولد ربه على هذا التجاوز ، وخشي أن يرتكب من بعد وزرًا ، واستكمل صفة الأمانة والوفاء .
حكمة بالغة :
وقد روى أبو هريرة رضيّ الله عنه ، أن رجلاً قال : يا رسول الله ، مرني بعمل وأقلل .. قال : لا تغضب ، ثم أعاد عليه : لا تغضب .