التقى الفضيل بن عياض بجماعة لهم عنده حاجه ، قال لهم : من أين أنتم ؟ ، قالوا : من خراسان ، قال : اتقوا الله ، وكونوا من حيث شئتم .
أمر الله وصلة الأهل :
وقد أمر سبحانه وتعالى أن نصل الأهل أولاً ، ثم الأقارب ، ثم الدوائر الأبعد فالأبعد ، ثم الجار ، وكل ذلك لأنه سبحانه وتعالى يريد الالتحام بين الخلق ، ليستطرق النافع لغير النافع ، والقادر لغير القادر ، فهناك جارك وقريبك الفقير إن وصلته وصلك الله .
ولذلك يأمر الحق سبحانه وتعالى رسوله الكريم صلّ الله عليه وسلم ومن خلاله يأمر كل مؤمن برسالته : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ ) صدق الله العظيم .. وقال بعض من سمعوا هذه الآية : قرباك أنت في قرباك ، وقال البعض الآخر : لا ، القربى تكون في رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، لأن القرآن الكريم قال في محمد صلّ الله عليه وسلم : (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ ) صدق الله العظيم .
خوف الإجلال والتعظيم :
هكذا تكون قرابة الرسول أولى لكل مؤمن من قرابته الخاصة ، ونجد قوله سبحانه وتعالى في وصف أولي الألباب : (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) صدق الله العظيم والخشية تكون من الذي يمكن أن يصيب بمكروه ، ولذلك جعل الحق هنا الخشية منه سبحانه ، أي : أنهم يخافون الله مالكهم وخالقهم ومربيهم ، خوف إجلال وتعظيم .
وجعل سبحانه المخاف من سوء العذاب ، وأنت تقول : خفت زيدًا ، وتقول : خفت المرض ، ففيه شيئًا تخافه ، وشيء توقع عليه ما تخافه وأولوا الألباب يخافون سوء حساب الحق سبحانه لهم ، فيدفعهم هذا الخوف على أن يصلوا ما أمر الله به سبحانه أن يوصل ، وأن يبتعدوا عن ي شيء يغضبه .
أولي الألباب ومعرفتهم مواطن الحق :
ونحن نعلم أن سوء الحساب يكون بالمناقشة واستيفاء العبد لكل حقوقه ، فسبحانه منزه عن ظلم أحد ، ولكن من يناقش الحساب فهو من يلقى العذاب ، ونعوذ بالله من ذلك ، فلا أحد بقادر على أن يتحمل عذاب الحق له .
ويواصل الحق سبحانه وصف أولي لألباب فيقول : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ) صدق الله العظيم ، ونجد هذه الآية عطوفة على ما سبقها من صفات أولي الألباب الذين يتذكرون ويعرفون مواطن الحق بعقولهم اهتداء بالدليل ، الذين يوفون بالعهد الإيماني ، بمجرد إيمانهم بالله في كليات العقيدة .