لقد أخذ سيدنا إبراهيم عليه السلام يدعو الناس في العراق فلم يؤمن به غير زوجته سارة وابن أخيه لوط عليه السلام ، فخرج إبراهيم عليه السلام وزوجته ولوط واستقروا في فلسطين ، وحينها ابتلي سيدنا إبراهيم ببلاءٍ شديدٍ حيث علم أن هناك ملك جبار وظالم في مصر يغتصب كل امرأة متزوجة ، ويأخذها عنوة من زوجها وقد أرسل هذا الملك جنوده إلى إبراهيم عليه السلام ، وسأله عن زوجته فقال لهم أنها أخته فعادوا إلى الملك ، ولكن الملك أصر أن يأتوا بهذه المرأة .
وذهب الجنود ثانية إلى بيت سيدنا إبراهيم فحاول منعهم ولكنه لم يستطع ، ولم يجد أمامه سبيلًا إلا أن يدعو الله أن ينجي سارة من يد من هذا الملك الطاغي ، ولما دخلت سارة قصر هذا الطاغية دعت ربها أن ينجيها من جبروته وقوته .
فكان كلما حاول الاقتراب منها أو اغتصابها شُلت يداه فيقول لها الملك : ادعي ربك أن يشفيني فإذا فعلت لن اقترب منك ، فتدعوا سارة ربها فيعود الملك إلى طبيعته ، ويعود أيضًا هذا الماكر الظلم إلى شره ويحاول اغتصابها حتى ثلاث مرات فيتكرر هذا الأمر .
وفي أخر مرة استغاث بسارة فأغاثته فنادى على جنوده ، وقال لهم خذوا هذه المرأة إنها شيطان وأعطاها جارية وهى السيدة هاجر ، فلما وصلت سارة ومعها هاجر إلى بيت إبراهيم سأل سيدنا إبراهيم زوجته السيدة سارة ماذا فعل بك الملك ؟ فقالت : لقد نجاني الله ، وبعدها سافر كلا من إبراهيم وسارة وهاجر إلى فلسطين ، ولما رجعوا إلى فلسطين رأت سارة أن زوجها إبراهيم عليه السلام مضى به العمر ولم ينجب ، فزوجته هاجر حتى ينجب منها الولد .
فأنجبت السيدة هاجر منه إسماعيل عليه السلام ، وكان سيدنا إبراهيم فرحًا بمولده الأول فغارت سارة وأرادت أن يبتعد هو وهى عنها ، فأوحى الله إلى سيدنا إبراهيم أن يذهبوا إلى أرض قاحلةٍ خاليةٍ من الزرع والماء ، وكانت هذه الأرض القاحلة عبارة عن وادٍ بين الجبال ، إنها مكة التي كانت أرضًا خاليةً من الحياة ، وتركهم سيدنا إبراهيم هناك حيث لا يوجد بشر ولا حياة ولا زرع ، لقد ترك سيدنا إبراهيم السيدة هاجر وابنها إسماعيل ولم يتفوه بكلمةٍ واحدةٍ .
فنادت السيدة هاجر قائلة : يا إبراهيم لمن تتركنا ؟ فلم يرد عليها فأعادت جملتها ثانية يا إبراهيم لمن تتركنا ؟ ثم قالت أهذا أمر من الله ؟ فالتفت وقال نعم هذا أمر من الله ، هنا قالت السيدة هاجر المؤمنة بربها اذهب فلن يضيعنا الله ، فذهب إلى جبلٍ يدعو الله عز وجل أن يرزقهما من الثمرات ويجعل أفواجًا من الناس تذهب إليهما .
أما السيدة هاجر وابنه إسماعيل عليهما السلام فقد نفذ منهما الماء والطعام ، وبقي الرضيع يبكى ويصيح من الجوع فصعدت السيدة هاجر إلى أرضٍ مرتفعة اسمها الصفا ، ثم ذهبت إلى أرضٍ أخرى اسمها المروة وأخذت تسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ، وانتهت بالمروة ثم أخذت تنادى ألا هل من مغيث ؟ ألا هل من مجيب ؟
وهنا سمعت السيدة هاجر صوتًا عند طفلها الذي يبكى ، فقد نزل جبريل عليه السلام يضرب الأرض بجناحه حيث تخرج الأرض ماء زمزم ، ثم قال جبريل لهاجر أن هذا المكان سيكون بيت الله ، فشربت السيدة هاجر وشرب وليدها ثم عاشت في هذا الوادي إلى أن مرت قبيلة من العرب بهم ، ولما رأى العرب الخير الموجود في هذا الوادي من ماءٍ وثمراتٍ ، استأذنوا أم إسماعيل عليه السلام أن يعيشوا معها في هذا الوادي .
وكان إبراهيم عليه السلام القاطن في فلسطين يذهب كل فترة إلى مكة ، ليتفقد السيدة هاجر زوجته وولده إسماعيل حيث بدأ يلعب ويشتد عوده ، ولما أتته الرؤية في المنام بأنه يذبح ولده إسماعيل ، امتثل لأمر ربه وذهب إلى إسماعيل عليه السلام وأخبره بما أمره الله به ، فما كان رد فعل إسماعيل إلا أنه استجاب لأمر الله عز وجل وخضع لطلب والده ، وقد استسلم إبراهيم وولده لأمر الله تعالى وفوضا أمرهما إليه .
وذهبا سويًا إلى مكانٍ بعيدٍ وهناك خلع سيدنا إسماعيل عليه السلام قميصه كي يكفنه فيه والده إبراهيم عليه السلام ، وجعل سيدنا إبراهيمُ ابنه منكفئ على وجهه حتى لا ينظر إليه فيرق له قلبه ويشفق عليه ، وفي هذه اللحظات العصيبة التي تنهمر فيها العبرات وتحتبس فيها الآهات داخل الصدور ، قام سيدنا إبراهيم عليه السلام بوضع السكين على رقبة ابنه إسماعيل لينحرها .
فحدثت المعجزة وجاءت البشرى حينما نودي سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وإذا بكبشٍ عظيم أبيض أقرن قد بعثه الله تعالى فداءً لإسماعيل عليه السلام ، ومن وقتها أصبح هذا اليوم يومُ عيدٍ للمسلمين وهو عيد الأضحى الذي أصبح فيه الذبح نُسكًا من المناسك ، التي يتقَرب به العبد إلى الله سبحانه وتعالى ، وهذا تقديرًا لذكرى ما فعله سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام بذلك اليوم العظيم.