كان طليحة أحد كهنة بني أسد ، وقد ادّعى النبوة في أواخر عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، شأنه في ذلك شأن الأسود العنسي ومسيلمة ، واستقر في بزاخة ، وهي ماء لبني أسد ، وظهر أمره بعد وفاة النبي ، فتبعه قومه ، واستقطبوا حلفاءهم من طيء والغوث ومن إليهم ، وانضمت إليه غطفان ، والتّف حوله عوام طيء والغوث وبني أسد .
تحالف القبائل :
وكانت منازل بني أسد في نجد ، وتقع إلى الشرق من ديار طيء وإلى الجنوب من منازل بكر ، وإلى الشمال من ديار هوازن وغطفان ، وتتاخم قبلائل عبد القيس وتميم من المغرب ، وبحكم هذا التجاور تحالفت هذه القبائل أو تخاصمت وفقًا لتطور أوضاعها ، والظروف المحيطة بها .
كتاب النبي :
قدم وفد بني أسد إلى المدينة ، لمبايعة النبي والدخول في الإسلام وقد تألف من عشرة أشخاص منهم ضرار بن الأزور ، ووابصة بن معبد ، وطليحة بن خويلد وغيرهم ، ويبدو أنهم كانوا في حال عداء مع جيرانهم بني طيء ، ففصل النبي في هذا النزاع ، وكتب لهم كتابًا ، كتبه له خالد بن سعيد ، ورد فيه : (ألا يقربن مياه طيء وأرضهم ، فإنه لا تحل لهم مياههم ، ولا يلجن أرضهم من أولجوا).
وأقرّ عليهم قضاعى بن عمرو وهو من بني عذرة ، وجعله عاملاً عليهم ، كما كتب إلى حصين بن نضلة الأسدي ( أن له أرمًا وكسّة لا يحاقه فيها أحد ) ، أي أن له أصلاً وشرفًا لاينازعه فيهما أحد .
أسد وغطفان :
وكانت أسد وغطفان وطيء قد تحالفت في الجاهلية قبل البعثة النبوية ، ثم حدث خلاف بينهم فخرجت طيء من الحلف ، فأجلاها بنو أسد وغطفان عن ديارها وانقطع بذلك ما بينها وبينهما ، وهذا الذي دفع النبي صلّ الله عليه وسلم ، إلى إصلاح ذات البين ومنع أسدًا من التعدي على مياه طيء ، وأرضهم .
ادعاء طليحة النبوة :
ثم حصل تباعد بين الحليفين ، أسد وغطفان ، ولما ادّعى طليحة النبوة ، وظهر أمره بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ساندته غطفان لأنها كانت على عداء قريش ، وقال عيينة بن حصن الفزّاري : ( ما أعرف حدود غطفان منذ انقطع ما بيننا وبين بني أسد ، وإني لمجدد الحلف الذي كان بيننا في القديم ، ومتابع طليحة والله لأن اتبع نبيًا من الحليفتين ، أحب إلينا من أن نتبع قريشًا ، وقد مات محمد وطليحة حي) .. والواقع أن تلك القبائل المضرية كانت تكره سيادة قريش .
دوافع طليحة لادعاء النبوة :
ليس واضح ما دفع طليحة إلى التنبؤ ، وربما كان للتنافس القبلي دور في ذلك بدليل قول عيينة بن حصن الذي أشرنا إليه ، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة التنبؤ في بلاد العرب .
القضاء على الوثنية :
لم يدع طليحة العرب إلى العودة لعبادة الأصنام ، كما لم يدع غيره من المتنبئين إلى العودة لعبادتها ، والراجح أن مردّ ذلك بأن النبي محمد قضى على الوثنية في الجزيرة العربية ، قضاء مبرما ، واستقرت عقيدة التوحيد في النفوس بشكل جعل التفكير في العودة إلى عبادة الأصنام ضربًا من الهذيان ، فدعا إلى أفكار لم يحفظ لنا التاريخ منها شيئًا يذكر .
الإدعاءات التي جاء بها طليحة :
وكل ما وصل إلينا ، أنه أنكر الركوع والسجود في الصلاة ، وقال : ( إن الله لم يأمر أن تمرغوا وجوهكم في التراب ، أو أن تقوسوا ظهوركم في الصلاة ) وقال أيضًا : ( إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئًا ، فاذكروا الله أعفّة قياما فإن الرغوة فوق الصريح ) ، وهذا تأثير نصراني ، والراجح أن السبب في ندرة المعلومات يعود إلى أن المسلمين الأوائل لم يدونوا إلا ما كان يتوافق مع أحكام الدين الإسلامي ، وأهملوا ما دون ذلك .
مواجهة المسلمين لطليحة :
لقد حارب النبي انتشار ظاهرة التنبؤ في حياته ، كما أوعز إلى مقاومة الأسود العنسى ، والتخلص منه إما غيلة وإما مصادمة ، فقد وجّه ضرار بن الأزور إلى عمّاله على بني أسد يأمرهم بالقيام على كل من ارتد ، ونزل المسلمون واردات ، ونزل طليحة ومن معه سميراء ، وكانت كفة المسلمين هي الراجحة بفعل تواتر الأنباء على انتصاراتهم في غير منطقة ، حتى همّ ضرار بالسير إلى طليحة ومقاتلته ، و سبقه أحد المسلمين ، يريد أن يتخلص من هذا المتنبئ ، فضربه بالسلاح فأخطأه ، وأسرع المحيطون به باستغلال هذه الحادثة ، وأذاعوها بين الناس مدّعين بأن السلاح لا يؤثر في نبيهم !
وفاة الرسول :
وفي الوقت الذي كان فيه المسلمون يستعدون لمواجهة هذا الموقف ، إذ جاءهم نعي النبي محمد صلّ الله عليه وسلم ، فاضطربوا وتناقص عددهم ، وهرع الكثيرون منهم إلى طليحة يتابعونه ويؤيدونه .