بنو أنف الناقة ، هم بنو جعفر بن فريع بالتصغير بن عوف ين كعب بن سعد ، بن زيد مناة بن تميم ، وسبب جريان هذا اللقب عليه أن أباه فريعًا نحر ناقة فقسمها بين نسائه فبعثت جعفر هذا أمه وهي الشموس الهذيمية إلى أبيه تسأله حظها من اللحم ، ولم يجد عنده غير رأس الناقة وعنقها ، فقال له: شأنك بهذا .
فأدخل جعفر يده في أنق الناقة ، وجعل يجره إلى أمه والناس يضحكون منه فلقب بأنف الناقة ، فكان جعفر يُسب بها ، وبقي هذا اللقب سبة في عقبة فكان الواحد منهم ، إذا سئل عن نسبة ينتسب إلى جده ، فريع بن عوف ويتجاوز النسبة إلى جعفر ، فرارًا من اللقب ، فبقوا على ذلك إلى أن مدحهم الخطيئة فأزال ذلك العار عنهم .
وكان من حديث ذلك أن الزبرقان بن بدر التميمي ، وفد على النبي صلّ الله عليه وسلم ، فولاه على قومه ثم أقره على ذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقدم في سنة مجدبة على عمر ليؤدي إليه صدقة قومه ، فلقيه الحطيئة بقرقري ومعه زوجته ، وولده ذكورًا وإناثًا فقال له الزبرقان وقد عرفه : إلى أين تريد ؟ فقال : إلى العراق وقد حطمتنا هذه السنة ، قال: ماذا تصنع ؟ قال : وددت أن أصادف بها رجلاً يكفيني مؤنة عيالي وأصغيه مدحي أبدًا .
فقال له الزبرقان : قد أصبته ، فهل لك فيمن يوسعك لبنًا وتمرًا ويجاورك أحسن جوار وكرمه؟ فقال الحطيئة : فهذا وأبيك العيش وما كنت أرجو هذا كله ، قال: قد أصبته ، قال وأين ؟ قال : عندي ، قال: ومن أنت؟ ، قال: الزبرقان بن بدر ، قال: وأين محلك؟ ، قال اركب الناقة واستقبل مطلع الشمس وسل عن القمر بن القمر ، حتى تأتي منزلي ، وكتب الزبرقان إلى زوجته أن أحسني إليه ، وأكثري له التمر واللبن ، وهي بنت صعصعة بن ناجية المجاشعي ، فأكرمت المرأة مثواه ، فبلغ ذلك بني جعفر أنف الناقة بن فريع ، فحسدوا الزبرقان عليه فدسوا إلى الحطيئة ، أن تحول إلينا نعطك مائة ناقة ونشد كل طنب من أطناب بيتك ، بحلة نفسية .
قال: وأني لي ذلك ؟ قالوا: إنهم يريدون النجعة فتخلف عنهم ، ودسوا إلى امرأة الزبرقان من يقول لها : إن الزبرقان إنما قدم أمامه هذه الشيخ ليتزوج ابنته وكانت ذات جمال ، فصدقت المرأة وظهر منها للحطيئة جفوة ، وهي مع ذلك تداريه ، فلما احتمل القوم تخلف الحطيئة عنهم ، فاحتمله الفريعيون فوفوا له بما وعدوه ، وربطوا له بكل طنب من أطناب قبته حلة هجرية ، فلما قدم الزبرقان سأل عنه ، فأخبر بقصته فنادى في قومه ، وجاء إلى بني فريع فقال: ردوا علي جاري ، فقالوا : ليس لك جار .
وقد طرحته فاستعدي عليهم ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فحكم أن يخرج الحطيئة وينزل بمنزل بين الحيين ، ويخلي سبيله فيكون جار أيهما شاء ، ففعل به ذلك ، فاختار الفريعيين وجعل الحطيئة يمدحهم ، من غير أن يهجو الزبرقان وهم يحرضونه على ذلك ، فأبى ويقول لا ذنب للرجل ، فكان مدحه لهم.
هنا ذهب الزبرقان إلى عمر بن الخطاب ، يشكوا من الحطيئة ، وقال إنه هجاني ، فقال له: وماذا قال في هجائك ، فأخبره بالقصيدة ، فقال له عمر بعدما استمع له : لا أسمع هجاء وإنما أسمع معاتبة ، فقال الزبرقان: أو ما تبلغ مروءتي إلا أني آكل وألبس ؟ فقال عمر : علي بحسان ، فجيء به إلى عمر ، فسأله: فقال: لم يهجه ولكنه سلح عليه ، فأمر به عمر فجعل في قعر بئر وألقى عليه شيء ، فجزع الحطيئة جزعًا شديدًا ، وتضرع إلى عمر وقال شعرًا يستعطفه به ، فلم يلتفت إليه عمر ، ثم شفع فيه عبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص وغيرهم فأخرجه .
فقال فيه شعرًا معاتبًا ، فبكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ويقول عمرو بن العاص لذلك : ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أعدل من رجل يبكي على تركة الحطيئة .