يُروى أنه سأل أحد هؤلاء المتمكنين صاحبه ، كيف حال الزهاد في بلادكم ؟ فقال : إن أصابنا خير شكرنا ، وإن أصابنا شر صبرنا ، فضحك الشيخ ، وقال : وما في ذلك ؟ إنه حال الكلاب في بلخ ، أما عندنا : فإن أصابنا خير آثرنا ، وإن أصابنا شر شكرنا .

حال الزهاد :
وهذه ليست مباهاة إنما تنافس ، فكلا الرجلين زاهد سالك لطريق الله ، يرى نفسه محسوبًا على هذا الطريق ، فيحاول أن يرتقي فيه إلى أعلى مراتبه ، فإياك أن تظن أن الغاية عند الصبر على البلاء والشكر على العطاء ، فهذه البداية وبعدها منازل أعلى ومراق أسمى لمن طلب العلا ، وشمر عن ساعد الجد في عبادة ربه .

درجات الإيمان :
ويُروى أيضا أن أحد هؤلاء الزهاد يقول لصاحبة : ألا تشتاق إلى الله ؟ قال : لا ، قال متعجبًا : وكيف ذلك ؟ قال : إنما يشتاق لغائب ، ومتى غاب عني حتى أشتاق إليه ، وهكذا تكون درجات الإيمان وشفافية العلاقة بين العبد وربه عز وجل .

الضلال والضرر :
ثم يقول الله سبحانه وتعالى عن هذا الذي يعبد الله على حرف : (يدعو من دون الله مالا يضره ومالا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد ) صدق الله العظيم ، ومعنى (ما لا يضره) ، هل الصنم الذي يعبده الكافر من دون الله يمكن أن يضره ؟ لا ، الصنم لا يضر ، إنما الذي يضره حقيقة عناده وانصرف عن عبادته ، تضره الربوبية التي يعاندها والمجازي الذي يجازيه بعمله ، إذن : فما معنى ( يضره ..) هنا ؟.. المعنى : لا يضره إن انصرف عنه ولم يعبده ، ولا ينفعه إن عبده ، ( ذلك هو الضلال البعيد ) ، نعم ضلال : لأن الإنسان يعبد ويطيع من يرجو نفعه في أي شيء ، أو يخشى ضره في أي شيء .

الطاعة والنفع :
وهنا نذكر قول بعض العارفين : (واجعل طاعتك لمن لا تستغنى عنه) ، ولو قلنا هذه المقولة لأبنائنا ، واهتم بها القائمون على التربية لما أغرى الأولاد بعضهم بعضًا بالفساد ، ولوقف الولد يفكر مرة وألف مرة في توجيهات ربه ، ونصائح أبيه وأمه ، وكيف أنه سيترك توجيهات من يحبونه ويخافون عليه ، ويرجون له الخير إلى إغراء صديق لا يعرف عنه وعن أخلاقه شيئًا ، لابد أن نطعم أبنائنا مباديء الإسلام ، ليعرف الولد منذ صغره من يحبه ومن يكرهه ، ومن أولى بطاعته .

درء المفسدة وجلب المصلحة :
ونلاحظ في الآية الكريمة أن الضر سابق للنفع : (ما لا يضره وما لا ينفعه) ، لأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، لأن المفسدة خروج الشيء عن استقامة تكوينه ، والنفع يزيدك ويضيف إليك ، أما الضر فينقصك ، لذلك خير لك أن تظل كما أنت لا تنقص ولا تزيد ، فإذا وقفت أمام أمرين : أحدهما يجلب خيرًا ، والآخر يدفع شرًا ، فلا شك أنك ستختار دفع الشر أولاً ، وتشتغل بدرء الفسده قبل جلب المصلحة .

ونضرب مثلاً بذلك : فإذا هب أن إنسانًا سيرمي لك بتفاحة ، وآخر سيرميك بحجر في نفس الوقت ، فماذا تفعل ؟ تأخذ التفاحة ، أو تتقي أذى الحجر؟! هذا هو معنى : درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة .

By Lars