قال الله تعالى : (وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ) صدق الله العظيم .. أي : أننا قادرون على أن نريك شيئًا مما وعدناهم به من العذاب ، لكنه ليس عذاب الاستئصال ، لأن الله تعالى أكرم أمتك حتى الكافر منها ، بأن عافاها من هذا العذاب ، لأنه يأتي على الكافرين فلا يبقي منهم أحدًا ، ويمنع أن يكون من ذريتهم مؤمن بالله ، فهب أن عذاب الاستئصال نزل بهم في بدر مثلاً ، أكنا نرى المؤمنين منهم ومن ذرياتهم بعد بدر ؟.
التوبة بعد الكفر :
إذن لا يكون عذاب الاستئصال إلا إذا علم الله تعالى أنه لا فائدة منهم ، ولا حتى من ذريتهم من بعدهم ، كما حدث مع قوم نوح ، ألا ترى نوحًا ، عليه السلام يقول عنهم : (إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ) صدق الله العظيم ، ولا يمكن أن يقول نوح هذا الكلام ، أو يحكم على قومه هذا الحكم إلا بوحي من الله ، لأنه لا يستطيع أن يحكم على هذه القضية الكونية التي لا يعلمها ، إلا المكوّن الأعلى سبحانه ، فنحن نرى عتاة الكفر ورؤوس الضلال ، ثم يؤمنون بعد ذلك كله ويبلون في الإسلام بلاء حسنا .
شجاعة عكرمة بن أبي جهل :
وانظر إلى عكرمة وخالد وعمرو بن العاص ، وكم تألم المؤمنون وحزنوا لأنهم أفلتوا من القتل ، لكن لله تعالى تدبيرًا آخر ، وكأنه يدخرهم لخدمة الإسلام وحماية الدعوة .
فعكرمة بن أبي جهل يظهر شجاعة نادرة في موقعة اليرموك ، حتى يطعن طعنة الموت ، ويستند إلى عمر ويقول وهو يجود بروحه في سبيل الله : أهذه ميتة ترضي عني الله ورسوله ؟ هذا في يوم الخندمة الذي قال فيه الشاعر :
إنك لو شاهدت يوم الخندمة .. إذ فر صفوانوفر عكرمة
ولحقتنا بالسيوف المسلمه .. يفلقن كل ساعد وجمجمه
ضربًا فلا تسمع إلا غمغمة .. لهم نهيت حوله وحمحمه
ولم تنطقي باللوم أدنى كلمه
عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وخدمة الإسلام :
أما عمرو بن العاص وخالد بن الوليد فقد كان أمرهما ما نعرف جميعًا ، فقوله سبحانه (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ) .. صدق الله العظيم ، ادفع : تدل على المدافعة بمعنى أنه أمامك خصم يهاجمك ، ويريد أن يؤذيك ، وعليك أن تدفعه عنك ، لكن دفع بالتي هي أحسن ، أي : بالطريقة أو الحال التي هي أحسن ، فإن أخذك بالشدة فقابله باللين ، فهذه هي الطريقة التي تجمع الناس على دعوتك وتؤلفهم من حولك .
العودة للإسلام باللين وتأثيرها على الذريات :
كما جاء في قوله تعالى (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ) صدق الله العظيم ، فإن أردت أن تعطفهم نحوك فادفع بالتي هي أحسن ، ومع ذلك الموقف الذي حدث من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ، يوم أن مكنه ربه من رقاب أعدائه ، ووقف أمامهم يقول : ( يا معشر قريش ، ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
ونلاحظ أنهم كلموه بما يستميل قلبه ويعطفه نحوهم ، وذكروه بأواصر القرابة والرحم ، وحدثوه بما يحنن قلبه ، ولقنوه ما ينتفعون هم به : أخ كريم وابن أخ كريم ، ولم يقولوا مثلاً : أنت قائد منتصر تستطيع أن تفعل بنا ما تشاء ، وفعلًا كان هؤلاء ومن ذرياتهم نصراء للإسلام وأعوان لدعوة رسول الله صلّ الله عليه وسلم .