قرأنا في الكثير من القصص الإسلامية ، بشأن دور المرأة في الإسلام ، وأنها قد عوملت بنفس الطريقة التي عومل بها الرجل ، دون أية تفرقة ، فقدمت بعض النساء ما قد لا يخطر على بالنا ، من إسهامات وتضحيات متفرقة ، من أجل الإسلام والمسلمين .
وأهم ما يجذبنا في قصص النساء في الإسلام ، أنهن قد قدمن العديد من الخدمات ، للإسلام حتى اقترن اسم البعض منهن ، بواجبات وخدمات جليلة قدمنها للإسلام ، ومن بينهن السيدة أم محجن خادمة المسجد النبوي ، وفي قصتها العديد من العبر والمواعظ .
من هي أم محجن ؟
لا يعرف أحد اسمها الحقيقي ، ولكن قيل أنها السيدة أم علقمة رضي الله عنها وأرضاها ، وكانت سيدة سوداء البشرة ومن أهل المدينة ، وقد وصفها السابقون بأنها امرأة مسكينة ، ذات بنية ضعيفة ، ولعل هذا ما جعلها تحظى باهتمام الرسول الكريم ، صلّ الله عليه وسلم ، فقد كان يهتم كثيرًا بالمساكين والضعفاء وكبار السن أيضًا ، ولم يكن يقطع سؤالاً عنهم قط ، حتى يتأكد أنهم بخير ، وأنهم قد تمت كسوتهم ، وقُدم لهم ما يكفيهم من الطعام والشراب .
وكانت تلك المرأة تسمى أم حجن ، ولا يعرف عن اسمها الكثير ، سوى أنها كانت مستضعفة ، أي إذا ما غابت لن يفتقدها أحدهم ، وإذا ما سألت عن شيء لا تحصل على جواب ، ويمكن تخيلها كأحد المشردين في عصرنا الحديث ، الذين يعدهم البعض عبئًا على المجتمعات .
ولكن أراد الله لها أن تعيش في عهد رسول الله ، صل الله عليه وسلم ، والذي كان أول همومه ، الفقراء والمساكين والمستضعفين ، من كبار السن مثل أم محجن .
عمل أم محجن :
على الرغم من كبر سن أم محجن ، إلا أنها كانت شديدة التقوى والإيمان ، وكانت تقوم بعمل قدير ورائع للغاية ، فقد التزمت بالتقاط الخرق ، والقيام بتنظيف المسجد النبوي ، مما حوى من أوساخ ونفايات ، حتى يبق نظيفًا وطاهرًا ، كما اعتادت أن تراه وهي لا تبتغي شيئًا ، من هذا العمل إلا وجه الله تعالى ، فقد كانت مؤمنة بأن المسجد ، هو المكان الذي يخرج منه ، الأبطال والمحاربين والمسلمين الأشداء ، ذوي القدرات التي تمكّنهم من دعم ومساندة الرسول صلّ الله عليه وسلم ، أمام الكفار ونصرة دين الله عزوجل .
مواقف من حياة أم محجن :
أم محجن الفقيرة العجوز ، غير عربية ولا يعلم أحد عنها شيئًا ، سوى أنها كانت تخدم بيت الله ، بتنظيفه ولا تبتغي غير وجه الله ، وروى أحد الصالحين عنها قصة غريبة ، فقال أن أم محجن كانت تقطن بأحد البيوت ، في حي من أحياء العرب ، وفي هذا الحي كانت عروس تتجهز ، وفي أحد الأيام اتهمت تلك العروس أم محجن ، بسرقة وشاحها .
والذي حدث هو أن حدأة قامت بانتشال وشاح العروس ، فجأة وصعدت مرفرفة في الأفق ، وهي تظن أن ما سرقته لحمًا ، ووقع الاتهام على المرأة السوداء العجوز ، فذهبت إلى بيت الله ، تبكي وتصلي وتتضرع إليه ، أن يكشف الحقيقة ، ويجيب دعوة المضطر بتبرءتها ، فاستجاب لها الله عز وجل ، وأتت الحدأة لتلقي بالوشاح بين من اتهموها بالسرقة ، ليظهر الحق وتعتزم المرأة الفقيرة ، أن تبقى إلى جوار مسجد النبي تخدمه ، بعد أن غادرت الحي الذي سكنته ، وهي تردد هذا البيت ؛
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا … ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
وظلت تلك المرأة تقيم بالمسجد ، عقب خروج المصلين من صلاة العشاء ، إلى جانب مكوثها إلى جوار السيدة عائشة ، والذهاب إليها يوميًا ، وذات صباح افتقد النبي الكريم ، صل الله عليه وسلم ، لتلك المرأة فسأل عنها ، فأجابه بعض الصحابة أنها قد ماتت ، وكانت الشمس شديدة الحرارة ، فأشفقوا عليه من إخباره بخبر موتها ، فقاموا إليها وغسلوها وكفنوها ، ثم دفنت في الليل .
حزن النبي الكريم ، عندما علم يموت أم محجن دون أن يخبره أحدهم ، وغضب غضبًا شديدًا ، وقال لهم أما علمتم أن من صليت عليه ، عند موته وجبت عليه شفاعتي يوم الدين ، ثم طلب منهم أن يذهبوا به إلى قبرها ، فذهبوا معه ليصلي عليها النبي الكريم ، صل الله عليه وسلم ، ويتحدث معها إلى القبر ، ويقول يا أم علقمة أي الأعمال وجدته خيرًا؟ ثم التفت إلى أصحابه وأقسم ، أنها ما وجدت خيرًا ، من تعمير بيوت الله ، ثم قال لأصحابه بأن تلك القبور ، مليئة بالظلمة ولا ينيرها سوى صلاته ، على أهل تلك القبور .