الحق سبحانه وتعالى هو القائل : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) صدق الله العظيم .. فساعة تسمع القرآن فهو يشفيك من الداء الذي تعاني منه نفسيًا ، ويقوي قدرتك على مقاومة الداء ، ويفجر طاقات الشفاء الكامنة في أعماقك .
القرآن منهج رحمة :
وهو رحمة لك حين تتخذه منهجًا ، وتطبقه في حياتك ، فيمنحك مناعة تحميك من المرض ، فهو طب علاجي وطب وقائي في آن واحد ، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه : ( وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ) صدق الله العظيم ..
ونلحظ أن الملك قد قال (ائْتُونِي بِهِ ) مرتين ، مرة بعد أن سمع تأويل ، لكن يوسف رفض الخروج من السجن إلا بعد أن تثبت براءته ، أو أنه خرج وحضر المواجهة مع النسوة بما فيهن امرأة العزيز .
الله مسبب الأسباب :
بتعذيب فلان ، فماذا يفعل وهو يعلم أنه بريء مظلوم ، ولا يطاوعه قلبه في تعذيبه ، فكأن يدخل على المسجون ويقول له : اصرخ بأعلى صوتك ، ويمثّل أن يضربه ، يقول الله تعالى : (وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) فأنت ستزول ، بل دنياك كلها ستزول بمن جاء بعدك من الطغاة ، ولن يبقى إلا الله ، وهو سبحانه يمتع كل خلقه بالأسباب في الدنيا ، أما في الآخرة فلن يعيشوا بالأسباب ، إنما بالمسبب عز وجل دون أسباب .
لذلك إذا خطر الشيء ببالك ، تجده بين يديك ، وهذا نعيم الآخرة ، ولن تصل إليه حضارات الدنيا مهما بلغت التطور ، لذلك في قوله تعالى : (حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ) .. صدق الله العظيم ، فمهما ظن البشر أنهم قادرون على كل شيء ، في دنياهم ضعفاء لا يستطيعون الحفاظ على ما توصلوا إليه .
الاستحياء من الله :
إذًا : اجعل الله تبارك وتعالى في بالك دائمًا يكن لك عوضًا عن كل فائت ، واستح أن يطلع عليك وأنت تعصيه ، وقد ورد في الحديث القدسي : ( ان كنتم تعتقدون أني لا أراكم فالخلل في إيمانكم ، وإن كنتم تعتقدون أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم ؟.
العارف وفناء العمر :
ولما سئل أحد العارفين : فيم أفنيت عمرك ؟ قال : في أربعة أشياء : علمت أني لا أخلو من نظر الله تعالى طرفة عين ، فاستحييت أن أعصيه ، وعلمت أن لي رزقًا لا يتجاوزني وقد ضمنه الله لي فقنعت به ، وعلمت أن عليّ دينًا لا يؤذيه عني غيري فاشتغلت به ، وعلمت أن لي أجلاً يبادرني فبادرته .
وقد شرح أحد العارفين هذه الأربع فقال : اجعل مراقبتك لمن لا تخلو عن نظره إليك ، واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمة عنك ، واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه ، واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه .
الأقوال الثمانية الجامعة :
وهكذا جمعت هذه الأقوال الثمانية الدين كله ، ثم يقدم السحرة الذين أعلنوا إيمانهم حيثيات هذا الإيمان ، فقالوا : ( إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ) صدق الله العظيم .. قوله : (إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا) يعني مجرمًا عمل الجريمة ، والجريمة أن تكسر قانونًا من قوانين الحق عز وجل ، كما يفعل البشر في قوانينهم ، فيضعون عقوبة لمن يخرج عن هذه القوانين ، لكن ينبغي أن تعين هذه الجريمة وتعلن على الناس ، فإذا وقع أحد في الجريمة فقد أعذر من أنذر ، إذًا لا يمكن أن تعاقب إلا بالجريمة ، ولا توجد جريمة إلا بنص .