هو واحد من أعلام أهل السنة والجماعة ، هو أبو عبد الرحمن حاتم بن علوان (الأصم) ، الذي طلب العلم على يد الشيخ البلخي لثلاثين عامًا ، حتى حقق التوكل والتقوى وسوئل ذات يوم بما حققت التقوى ؟
قال حاتم بأربعة أمور وهي : علمت أن رزقي لا يأخذه أحد غيري فاطمئن قلبي ، وعلمت أن عملي لن يتقنه غيري فاشتغلت به ، وعلمت أن الموت يطلبني فأعددت الزاد لهذا اليوم ، وعلمت أن الله مطلع عليّ فاستحيت أن يراني وأنا على معصية .
ويقال أن سبب تسميته بالأصم أن امرأة جاءته تسأله بمسالة ، وخرج منها صوت فخجلت وأحمر وجهها ، فقال لها حاتم إرفعي صوتك وأوهمها أنه أصم لكي يذهب عنها الخجل وهذا من فطنته ، فقالت المرأة لنفسها إنه لم يسمع الصوت ولذلك لقب بحاتم الأصم .
اليقين بالله ونعمة الولد الصالح :
عندما حانت فريضة الحج وبدأ الحجاج يستعدون للذهاب للحج ، أشتاق حاتم للخروج للحج ولكنه كان لا يملك نفقة الحج بل لا يملك نفقة تكفيه وأهله تلك الفترة ، فحزن حزنًا شديدًا ولاحظت ابنته حالته الحزينة ، وكانت ابنته صالحة تقية نقية ، فقالت لوالدها ما يحزنك يا أبي ؟
ولاحظت أن دموعه تنزل على وجهه وهو يقول لها : الحج أقبل ولا نفقة لدي للحج هذا العام فقالت البنت الواثقة من رزق الله يرزقك الله يا أبي فقال لها ونفقتكم تلك الفترة ، فقالت له يرزقنا الله ، فقال لها عودي لأمك فهي من تتحمل أعباء البيت ، فقالت الأم لها ونفقة البيت ماذا نحن فاعلون ؟
فقالت البنت لوالدتها وإخوتها : ( إن والدنا ليس هو الرازق والذي يرزقنا هو الله فدعوه يذهب للحج ) ، فخرج حاتم الأصم للحج ولم يكن ببيته إلا نفقة تكفيهم لثلاثة أيام فقط ، وبالفعل خرج وكان يسير خلف القافلة التي ستذهب للحج لأنه لا يملك النفقة لينضم للقافلة .
وأثناء الرحلة تعرض أمير القافلة للدغة عقرب وأصيب بألم شديد وكاد أن يهلك ، وعلموا أن الرجل الصالح حاتم الأصم يسير خلف القافلة فقاموا باستدعائه لكي يرقي الأمير ويدعو له بالشفاء فدعا له وقام برقيته فشفاه الله تعالى ، فقال له القائد إن نفقة حجك عليّ ففرح حاتم الأصم ، وعلم أن هذا الفضل من الله عز وجل وقال حينها : (اللهم إن هذا تدبيرك لي فأرني تدبيرك في أهلي)
بيت حاتم :
لقد مضى اليوم الأول والثاني والثالث وازداد الأمر سوءًا ولم يعد بالبيت طعام ، فأخذ الأم والأبناء يعاتبون البنت الصالحة ويخبرونها بأنها السبب في كل ما حدث لهم ، لكن البنت الواثقة برزق الله كانت تقول : (اللهم قد عودتنا فضلك فلا تمنعنا من فضلك) .
وكانت الأم تتعجب من ثقتها وتقول لها ماذا سنفعل ؟ والفتاة تقول لها بيقين : هل أبونا هو الرزاق ؟ فتقول أمها لا إنه الله عز وجل فتقول الفتاة الصالحة : ( لقد ذهب للحج أكل الرزق وبقي الرزاق ) ، وبعد عدة ساعات طرق بالباب طارق يقول لهم إن الأمير يستسقيكم .
فقد كان الأمير برحلة صيد وأصابهم العطش ، فأرسل وزيره إلى أقرب بيت وكان بيت حاتم الأصم ، فقامت الأم بإعداد كوب من الماء البارد فشرب الأمير وأحس بحلاوة هذا الماء ، فسأل عن صاحب البيت فأخبروه أنه بيت حاتم الأصم ، فطلب منهم أن يحضروه ولكنهم أخبروه أنه يحج هذا العام .
فقام الأمير بخلع حزامٍ من القماش كان مرصع بالجواهر ورمى به في بيت حاتم وقال لوزرائه : ( من كان منكم لي عليه يد فليفعل مثلي ) فخلعوا جميعًا أحزمتهم المرصعة بأغلى الجواهر ورموها ببيت حاتم ، ثم جاء تاجر لبيت حاتم واشترى تلك الأحزمة بمبالغ كبيرة من الذهب .
وأصبح بيت حاتم من أغنى بيوت المسلمين ، واشترت الأم طعامًا وشرابًا ليسدوا به جوعهم ، ولكن البنت الصالحة كانت تبكي فتعجبت الأم وقالت لها لما تبكين وقد أغنانا الله ؟ فقالت البنت : ( إن هذا مخلوق لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة نظر إلينا نظرة واحدة برحمة وشفقة فأغنانا !
فكيف لو نظر إلينا الله عز وجل ! فسبحان الله الرازق العاطي ، إنها لنعمة عظيمة أن يرزقك الله سبحانه وتعالى بالولد الصالح الذي يثبت في قلبك اليقين بالله وحسن التوكل عليه ، اللهم ارزقنا ذرية صالحة تكن لنا خير معين في الدنيا والآخرة .