لقد تنبأ رسول الله صلّ الله عليه وسلم بفتح مصر ، فقد ورد عن أبي ذر الغفاري أنه قال (قَالَ رَسُولُ اللهِ : إِنَّكُم سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يَسمَّى فِيْهَا القِيْرَاط ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا، فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ لَهُم ذِمَّةٌ وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِيْهَا فِي مَوْضِعَ لَبْنَة، فاخرُج مِنْهَا) ، وعن ابن حبان أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم قال عن أهل مصر: (فَاسْتَوْصُوا بِهِم خَيْرًا، فَإنَّهُم قُوَّةٌ لَكُم، وَبَلَاغٌ إِلَى عَدُوِّكُم بِإِذْنِ الله ) صدق رسول الله صلّ الله عليه وسلم .

وعندما تولي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة لم ينسى نبوءة رسول الله لفتح مصر ، وكانت الفتوحات الإسلامية مستمرة ببلاد الشام وقد تمكن المسلمين من فتح فلسطين والقضاء على الروم ، وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه قد زار مصر من قبل في تجارته ، ورأى الخير الكثير التي تنعم به تلك الأراضي المصرية ، وعلم أهميتها الإستراتيجية والحربية لتقوية شوكة الخلافة الإسلامية فتولدت لديه رغبة شديدة في فتح مصر .

وعندما تولى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة فاتحه عمرو بن العاص بالأمر وألح عليه ، وكان ذلك من أجل تأمين الفتوحات الإسلامية بالشام وفلسطين ، لأن مصر كانت تحت حكم الروم آنذاك ولقد دحر المسلمين الروم في جزيرة العرب ، وكان لابد من فتح مصر لدحرهم بعيدًا عن الشرق ، وتحرير أهل مصر من ظلمهم وبطشهم ونهب خيرات البلاد .

وأيضًا لأن مصر كان بها من الخير الكثير ففيها النيل والخير الذي لا ينضب ، ولقد أدرك عمرو بن العاص رضي الله عنه كل تلك الأمور  مما دفع المسلمين لفتح مصر ، وهو فتح وليس غزو فلقد كان المصريون يرحبون بذلك لأنهم عانوا الكثير من بطش الرومان ، خاصة أنهم كانوا على مذهب يعقوب المسيحي بينما كان البيزنطيون على مذهب الملكاتي ، فاضطهدهم البيزنطيين وعاملوهم أسوأ معاملة .

وبالفعل جهز عمرو بن العاص جيشًا مكونًا من أربعة ألاف جندي وسار بهم إلى مصر فاتحًا ، حيث عبر بهم منطقة العريش ومر بمنطقة تسمى المساعيد ، واستمر الجيش في مسيرته إلى منطقة الفرما على البحر ، ودار قتال عنيف مع الحامية الرومية وانتصر المسلمون ودحروا الرومان ، واستمر الجيش حتى دخل بلبيس وكان هذا في ربيع الأول سنة 19 هجرية / 640 ميلادية .

ودارت معركة كبيرة بين المسلمون وجيش الروم بقيادة أرطبون ، واستمر حصار المسلمون وقتالهم لأرطبون وجيشه شهرًا كاملاً في منطقة بلبيس ، وبالفعل استولى المسلمون على بلبيس ثم تقدموا نحو الحصن الكبير الذي يسمى حصن بابليون ، والذي يعتبر أكبر معاقل الروم وأكبر حامية لهم وكانت تمتد تلك الحامية حتى مدينة منف بالجيزة ، وامتاز هذا الحصن بمناعته وقوته الشديدة ، لذا طلب عمرو بن العاص رضي الله عنه العون والمدد من الخليفة عمر بن الخطاب .

وبالفعل أقام الجيش المسلم بالفيوم وتزودوا بالمؤن ووصل المدد ، وكان قرابة أربعة ألاف جندي وعلى رأسهم الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم أجمعين ، ورتب عمرو بن العاص الصفوف وانقض على جيش الروم ، وكان قوام جيش الروم آنذاك 20 ألفًا من الجنود المدججين بكل الأسلحة .

وانتصر عليهم المسلمون بموقعة عين شمس وفر الروم داخل حصن بابليون ، وقام المسلمون بحصار الحصن لمدة سبعة أشهر ، حتى أن المقوقس أرسل إلى عمرو بن العاص يعرض عليه مبلغًا ضخمًا من المال مقابل أن يعود عن غزوه للبلاد ، فرفض سيدنا عمرو بن العاص ورد عليه قائلاً : ليس بيننا وبينكم إلا ثلاث إما الإسلام أو الجزية أو القتال .

ولما أدرك المقوقس أن المسلمين لن يردعهم رادع أراد من حاميته أن تستسلم ، ولكنهم رفضوا وقام الإمبراطور الروماني هرقل بعزل المقوقس واستمر الحصار بعدها حول الحصن ، وفي يوم من أيام الحصار الشديد استطاع الزبير بن العوام أن يتسلق هذا الحصن المنيع ومعه مجموعة من الجنود ، وكبر المسلمون فظن جنود الروم أن العرب اقتحموا الحصن ، فتركوا الأبواب وبالفعل قام المسلمون باقتحام الأبواب المنيعة عام 20 هجرية .

وسقط حصن بابليون المنيع في قبضة المسلمين ، وهكذا تم تدمير قواتهم بالكامل داخل الحصن ، واتجه عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى الإسكندرية وحاصرهم لمدة أربعة أشهر ، واستطاع المسلمون اقتحامها في النهاية مما جعل المقوقس يوقع على معاهدة الإسكندرية ، وكانت المعاهدة تنص على دفع الجزية للمسلمين وتقدر قيمتها بدينارين في السنة عن كل شخص ، ويعفى منها النساء والأطفال والشيوخ .

وبالطبع كانت تنص أيضًا على انتهاء حكم الدولة البيزنطية لمصر ، وبداية الحكم الإسلامي وبعد أن أتم الله الفتح للمسلمين واستتب الأمر لهم ،قام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتولية عمرو بن العاص على مصر ، وبالفعل استقر عمرو بن العاص بمنطقة فسطاط وأسس بها عاصمة مصر الإسلامية ، وأراد تأمين حدود مصر فقام بفتح برقة وأيضًا طرابلس .

واستمرت الفسطاط عاصمة مصر الإسلامية في الازدهار والاتساع بعد حكم المسلمين لمصر ، وقام عمرو بن العاص رضي الله عنه ببناء أول مسجد في مصر وإفريقيا ، وهو مسجد عمرو بن العاص بوسط العاصمة الفسطاط عام 642م ، وقام أيضًا بإعادة حفر القناة التي كانت تربط بين النيل والبحر الأحمر ، لكي يرسل الخير والزرع منها إلى جزيرة العرب عن طريق السفن .

ولقد أقبل بعدها المصريون على الإسلام إقبالاً شديدًا لسماحة الدين الإسلامي ، وحسن تعامل المسلمون معهم وقد حسن إسلام المصريون ، وكان مسجد عمرو بن العاص هو المدرسة الأولى التي تعلم منها المصريون دينهم الحنيف من الصحابة الكبار ، ومنهم عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه فاتح مصر المظفر .

Lars

منشور له صلة

فنجان برج الحوت اليوم الاثنين 28/10/2024 اكتوبر تشرين الاول

فنجان برج الحوت اليوم مع قارئة الفنجان المتميزة لدينا. من خلال تحليل الرموز والإشارات في…

6 أيام منذ

فنجان برج الدلو اليوم الاثنين 28/10/2024 اكتوبر تشرين الاول

فنجان برج الدلو اليوم الاثنين 28/10/2024 اكتوبر تشرين الاول برج الدلو ماذا يقول فنجانك؟هناك مناسبة…

6 أيام منذ

فنجان برج الجدي اليوم الاثنين 28/10/2024 اكتوبر تشرين الاول

فنجان برج الجدي اليوم الاثنين 28/10/2024 اكتوبر تشرين الاول برج الجدي ماذا يقول فنجانك؟أنت على…

6 أيام منذ

فنجان برج القوس اليوم الاثنين 28/10/2024 اكتوبر تشرين الاول

فنجان برج القوس اليوم مع قارئة الفنجان المتميزة لدينا. من خلال قراءة دقيقة للرموز والإشارات…

6 أيام منذ

فنجان برج العقرب اليوم الاثنين 28/10/2024 اكتوبر تشرين الاول

فنجان برج العقرب اليوم مع قارئة الفنجان المبدعة لدينا. من خلال تحليل الرموز والإشارات في…

6 أيام منذ

فنجان برج الميزان اليوم الاثنين 28/10/2024 اكتوبر تشرين الاول

فنجان برج الميزان اليوم مع قارئة الفنجان المميزة لدينا. من خلال تحليل دقيق للرموز والإشارات…

6 أيام منذ