ترتبط تلك الغزوة بحجم المعاناة والمشقة ، التي كان يجدها النبي صلّ الله عليه وسلم وأصحابه في سبيل نشر الدعوة ، وقد وقعت غزوة ذات الرقاع في السنة السادسة من الهجرة ، فبعد كسر شوكة قريش والقضاء على الفتنة التي أحدثها اليهود ، ظل هناك خطر دائم وهو الأعراب المتواجدون في صحاري نجد ، والذين لم يتوقفوا قط عن أعمال النهب والسلب .
فأراد النبي صلً الله عليه وسلم تأديبهم وتعزيز الأمن هناك ، ولما سمع النبي صلِ الله عليه وسلم باستعداد الأعراب لقتال المسلمين ، طلب من الصحابة إعداد العدة لقتال الأعراب ، فسارع المسلمون وجمعوا أسلحتهم وكان عددهم حينها 470 مقاتل ، خرج بهم النبي صلِ الله عليه وسلم من المدينة لملاقاة الأعراب .
وكانت هناك صعوبات جمة في ذلك اللقاء ، حيث كان هناك نقص شديد في عدد الرواحل ، فكان كل ستة وسبعون رجلاً يتوالون على ركوب بعير واحد ، وكانت الأرض في طريق المسلمين وعرة جدًا ، وبها حجارة حادة للغاية جرحت أقدامهم ، فقاموا بلف الخرق والجلود علي أرجلهم .
ومن هنا سميت هذه الغزوة بذات الرقاع ، والرقاع هي الخرق ، فعن أبي موسى الأشعري أنه قال : كنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع ، وبعدها استمر الجيش بالمسير حتى وصل إلى موضع يسمى نخل بني غطفان ، ولما سمع الأعراب بقدوم النبي صلّ الله عليه وسلم لقتالهم ، هربوا إلى الجبال تاركين خلفهم نسائهم وذريتهم .
وفي تلك الغزوة خشي النبي صلِ الله عليه وسلم ، من عودة الفارين للهجوم على المسلمين أثناء الصلاة ، فنزلت الآية الكريمة التي تقول : (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ) (سورة النساء ، الآية 102) ،
فقام النبي وصلى بمن معه ، وانتهت الصلاة ولم يحدث شيء فأختار النبي صلّ الله عليه وسلم الرجوع للمدينة بعد أن حقق مقصودة من الغزوة ، وفي طريق العودة مع حلول الليل ، كان يحرس المسلمين كل من عباد بن بشر وعمار بن ياسر ، وحدث أن أطلق أحد المشركين سهمًا فأصاب عباد وهو يصلي ، فنزع السهم وأكمل صلاته فرماه المشرك بسهم ثاني وثالث ، وهو مستمر في الصلاة حتى انتهى من صلاته ، فأيقظ عمار ليسعفه .
فهرب المشرك آنذاك ، وقال له عمار : لما لم توقظني من أول سهم ؟ فقال عباد : كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن اقطعها ، وفي الصباح استيقظ الجيش وبعدها تفرق الجميع في وقت القيلولة ليستظلون بأوراق الشجر ، فجاء أحد الأعراب ووجد النبي صلّ الله عليه وسلم نائمًا تحت شجرة ، وسيفه معلقٌ بها .
فأخذ الأعرابي سيف رسول الله ووقف علي رأسه وقال : يا محمد من يمنعك مني ؟ فأجاب النبي صل الله علية وسلم (الله ثلاثًا) فارتجفت يد الأعرابي ، وسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلّ الله عليه وسلم وقال له : أنت الآن من يمنعك مني ؟ فأعتذر الرجل للنبي وترجاه أن يتركه .
فقال له الرسول صلّ الله عليه وسلم : أتشهد أن لا اله إلا الله ، فقال الأعرابي : لا ولكني أعاهدك على ألا أقاتلك ولا أكون مع من يقاتلوك ، فأطلق النبي سراحه ، وهكذا انتهت أحداث هذه الغزوة العظيمة ، وقذف الله الرعب في قلوب أولئك الأعراب ، حتى شاء الله لهم أن يسلموا لاحقاً ليشاركوا في فتح مكة وغزوة حنين فسبحان الهادي الجبار .