ورد بالقرآن الكريم العديد من القصص التي توعظ الإنسان وتُنذره بعذاب الله لهؤلاء المتكبرين المفسدين في الأرض ؛ وقد أوقع الله عذابه على السالفين من هؤلاء الكافرين ، وأوضح القرآن الكريم موقف المولى عز وجل من هؤلاء وماذا فعل بهم وكيف عذبهم .
تُعتبر قصة أصحاب الفيل من القصص التي تشرح كيفية تعذيب الله للكافرين الماضين في الأرض فسادًا وظلمًا ؛ حيث وردت بسورة الفيل وهي من قصار السور التي أنزلها الله من أجل تقديم الوعظ عن طريق ما حدث لأصحاب الفيل ؛ حيث يقول المولى عزوجل :
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) )
تجلّت الآيات الكريمة بطريقة العذاب التي أنزلها الله على أصحاب الفيل ، وذكرت الروايات الراجحة أن القصة تؤول في بدايتها إلى أبرهة الحبشي وكان والي من اليمن ؛ وكانت اليمن في ذلك الوقت تابعة إلى النجاشي ملك الحبشة ؛ فقام أبرهة بتشييد كنيسة عظيمة ؛ كي يجعل العرب يُغيرون وجهتهم عن الحج إلى بيت الله ويذهبون للحج إلى تلك الكنيسة التي بناها أبرهة .
أرسل أبرهة إلى النجاشي ليخبره أنه قد بنى كنيسة عظيمة لم يسبق لأحد أن بناها من قبل ؛ وأنه لن ينتهي حتى يجعلها وجهة العرب للحج ، ولكن العرب أنكروا ما قام به أبرهة ورفضوا تلك الكنيسة التي شيدها من أجل تغيير مكان الحج .
رأى العرب أن ما فعله أبرهة يُعتبر ذنبًا عظيمًا ؛ لأنهم أبناء إبراهيم وإسماعيل أنبياء الله فكيف لهم أن يحجوا إلى كنيسة ويتركون بيت الله الذي بناه أوليائه ، وقيل أن أحد العرب ذهب إلى كنيسة أبرهة وأحدث بها أمرًا تحقيريًا ؛ كما ذُكر أن بنو كنانة قاموا بقتل الرسول الذي بعثه أبرهة من أجل دعوتهم إلى الحج بالكنيسة .
أراد أبرهة الانتقام من العرب ؛ فعزم على هدم كعبتهم ؛ وجهزّ جيشًا هائلًا وجعل في مقدمته فيلًا ضخمًا ؛ فخرج العرب لمحاربة أبرهة ، وكان من أوائل الذين خرجوا لذلك اللقاء رجل من أشراف اليمن يُدعى ذو نفر ؛ ولكن أبرهة انتصر عليه وأخذه أسيرًا لديه .
استطاع أبرهة أن يهزم رجل آخر يُسمى نفيل بن حبيب ؛ وأخذه أيضًا كأسير ليصبح دليلًا لجيشه حتى يستطيع الوصول إلى الكعبة ، وحينما وصل أبرهة إلى الطائف أخبره بعض رجال ثقيف أن الكعبة موجودة بمكة وأرسلوا معه أحد الرجال ليدلهم على مكانها ؛ وذلك من أجل ألا يهدم أبرهة بيت اللات الذي تم تشييده في الطائف ، وذُكر أن الرجل الطائفي مات في الطريق وأصبح قبره مرجومًا من قِبل العرب .
أرسل أبرهة كتيبة من جنوده بين الطائف ومكة إلى قريش ليعودوا له مُحملين بالغنائم ؛ وكان من بينها مائتي بعير تابعين إلى عبد المطلب بن هاشم ؛ وهو سيد قريش التي عرفت أنها لا طاقة لها بمحاربة أبرهة ، حينها قام أبرهة بمراسلتهم ليخبره أنه جاء فقط من أجل هدم الكعبة فإن تركوه يفعل ذلك دون جدال ؛ فلا مجال للحرب والمناوشات .
خرج عبد المطلب للتفاوض مع أبرهة ؛ فسأل أبرهة عبد المطلب عن حاجته ؛ فأخبره أنه يريد المائتي بعير ؛ فتعجبتُ أبرهة من طلبه ؛ حينها أخبره عبد المطلب أنه رب المائتي بعير ولكن للبيت رب سيحميه من بطش المتكبرين ؛ فأعاد أبرهة الإبل إلى عبد المطلب لكنه أبى أن يتراجع عن هدم الكعبة .
عاد عبد المطلب إلى قريش وأخبرهم بعزم أبرهة على هدم الكعبة ؛ وطلب منهم الخروج من مكة والبقاء في الجبال المحيطة ، وقاموا بالتوجه إلى الله بالدعاء لينصر بيته .
تقدم الجيش ناحية مكة غير أن الفيل بَرك على الأرض ولم يتحرك ؛ ولكنهم كلما وجهوه جهة أخرى غير مكة كان يتجه إلا اتجاه مكة ؛ فوقع عليهم عذاب الله ؛ حيث أرسل عليهم جماعات من الطيور ؛ وكان يحمل كل طائر ثلاثة أحجار ؛ واحدًا في منقاره واثنين في رجليه ؛ كانت تُهلك كل من تنزل عليه كأنها جمرات من النيران ؛ وذُكر أن أبرهة كان يتساقط لحمه عن جسده ، ولم يمت إلا حينما انشق صدره عن قلبه ؛ وهكذا أهلك الله أصحاب الفيل .