بعض المستشرقين حاولوا جاهدين أن يعثروا على ثغرة ينفذون منها ليفرقوا بين المسلمين ودينهم ، وأن يروجوا لزعمهم الباطل بأن هناك تعارضا بين آيات الكتاب الكريم ، وارتدي بعضهم مسوح العلم المحايد ، وامتلأت قلوبهم بسوء النية ، وغاب عن عقولهم حسن الإدراك فقالوا : إن بعض الآيات القرآنية تتعارض ، والسبب الذي يجعل المسلمين غافلين عن ذلك التعارض بزعمهم هو أنهم ينظرون إلى القرآن بقداسة ، ولولا هذه القداسة لأمكنهم اكتشاف التعارض في آيات القرآن ..

التفسير الخاطئ للآيات :
هؤلاء المستشرقون لما قرؤوا الآية الكريمة التي يقول فيها الحق سبحانه وتعالى : {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }..

حاولوا بسوء القصد والنية أن يوهموا أذنابهم أن هناك تعارضا بينها وبين قول الحق سبحانه : {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .

ترويج لفكر خاطيء :
ان بعض المستشرقين يحاولون أن يرجوا لفكرة التعارض بين قول الحق : وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا من سورة لقمان  وبين قوله تعالى : {يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ } ، طعنا في هذا الدين وحسداً من عند أنفسهم .

التفسير الصحيح لآيات القرآن :
إن الفهم الصحيح لقول الحق سبحانه وتعالى : {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

هو أن الله تعالى يأمر الابن أن يصاحب والديه بالمعروف ، ولا يطيعهما في دعوتهما له بالشرك بالله ، بل يأمره أن يتبع طريق التوحيد والإخلاص ، وأن مرجعهم جميعا هو هما أن الله تعالى بما فعلوا من خير أو شر ، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي سيجزي كل انسان جزاء عمله ، ومعروف أن الصحبة بالمعروف سواء مع الوالدين أو غيرهما أمر مختلف عن الود بالقلب ، فالمعروف فعل الجوارح ، أما الود فهو فعل القلب .

الصحبة بالمعروف :
إن الصحبة بالمعروف أمر يصنعه الانسان مع من يحب ومع من لا يحب ، أما الود فلا يصنعه الانسان إلا مع من يحب ، واقرأ قول الحق : { لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

هذه الآية الكريمة توضح أن القوم المؤمنين بالله واليوم الآخر ليس بينهم وبين من يعادي الله ورسوله ، ويصد عن دينه مودة قلبية ، ولا موالاة ، ولا نصرة ، حتى ولو كانوا آبائهم وإخوانهم أو أبنائهم أو أقاربهم ، وهذا لا يمنع من معاملتهم بالمعروف ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، فهذا شيء ، والنصرة في الدين والمولاة في الله تعالى شيء آخر .

الصحبة بالمعروف والود :
إن المؤمنين لا يوالون من حاد الله ورسوله ، لأن الحق ثبت قلوبهم على الايمان وأيدهم بقوة منه ، وجعل لهم جزاء ذلك جنات لا ينقطع فيها النعيم عنهم لأنهم أحبوا الله فأحبهم الله ، وهكذا نفهم الفرق بين الصحبة بالمعروف وبين الود ، ثم أن الصحبة بالمعروف أمر لا يتطلب الحب ، ولكن يتطلب المعايشة ، وإن المؤمن بسلوكه مع من حوله قدوة تنير قلوب الضالين إلى الهداية .

فإن آمن الضال فللمؤمن ثواب إيمانه ، وإن لم يؤمن الضال فللمؤمن الثواب أيضا لأنه عايش الضال دون أن يتأثر بدعوة الضلال ، أو أن يحيد عن منهج الحق سبحانه حتى ولو جاءته هذه الدعوة من أبيه أو أمه أو أقاربه .

المؤمن لا يساوم على ايمانه:
إن المؤمن لا يساوم على إيمانه لذا فلا مودة بينه وبين من يعادي الله ورسوله ، وأوضح الأمثلة على ذلك يوم بدر حينما قال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما لأبيه بعد أن أسلم : لقد رأيت يا أبي يوم بدر ولكني لويت عنقي عنك ، فقال له سيدنا أبوبكر رضي الله تعالى عنه : والله لو رأيتك لقتلتك .

والذين يبحثون في فلسفة الدين يقولون إن الاثنين على حق ، لأن عبدالرحمن قارن بين أبيه والأصنام ، أما سيدنا أبو بكر فقارن بين ابنه وربه ، فوجد الله تعالى أعز عليه من ابنه ، والاثنان منطقيان .. وكذلك عندما رأى سيدنا مصعب بن عمير أخاه أسيرا في يد أحد الصحابة فقال للصحابي : اشدد على أثيرك فأمه غنية وستفديه بمال كثير .

By Lars