قال الله سبحانه وتعالى : {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }

تفسير الآيات :
يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق ، فرقة احتالت على المحذور واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت ، وفرقة نهت عن ذلك وأنكرت واعتزلتهم ، وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ، ولكنها قالت للمنكرة :  { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا } .

أي لما تنهون هؤلاء وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من الله ، فلا فائدة في نهيكم إياهم ؟ .. وقالت لهم المنكرة : مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ ، أي فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقول : وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ، أي يقولون ولعل بهذا الانكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ، ويرجعون إلى الله تائبين ، فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم .

تفسير باقي الآيات :
وقوله تعالى :  فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ.. أي فلما أبى الفاعلون المنكرون قبول النصيحة ، وقوله : أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا ، أي ارتكبوا المعصية ، وقوله : بِعَذَابٍ بَئِيسٍ… فنص هنا على نجاة الناهين وهلاك الظالمين ، وسكت عن الساكتين ، لأن الجزاء من جنس العمل ، فهم لا يستحقون مدحاً فيمدحوا ، ولا ارتكبوا عظيمًا فيذموا ، ومع هذا فقد اختلف الأئمة فيهم : هل كانوا من الهالكين أم من الناجين .

قصة القرية :
قال ابن عباس : وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ هي قرية على شاطئ البحر بين مصر والمدينة ، يقال لها أيلة ، فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم ، وكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعا في ساحل البحر ، فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها ، فمضى على ذلك إلى ما شاء الله .

ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم ، ، فنهتهم طائفة وقالت تأخذونها وقد حرمها الله عليكم يوم سبتكم ؟! فلم يزدادوا إلى غياً وعتوا ، وجعلت طائفة أخرى تنهاهم ، فلما طال ذلك عليهم قالت طائفة من النهاة : تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب : لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ ..

وكانوا أشد غضباً من الطائفة الأخرى ، فقالوا : مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ .. وكل قد كانوا ينهون ، فلما وقع عليهم غضب الله ، نجت الطائفتان اللتان قالوا : لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ.. والذين قالوا : مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ .. .. وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة .

النهي عن السوء وسيلة النجاة :
وقوله تعالى : أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ، يدل على أن النجاة هنا للفرقة الواعظة ثم جاء العذاب للذين ظلموا وعصوا ولكن ما هو مصير الفرقة الثالثة التي قالت : مالنا ومالهم ؟ إن هذه الفئة التي يئست من طول الوعظ وعدم الاستجابة ، هم أيضًا من الواعظين لأنهم حين يقولون إن الله مهلك هؤلاء الظالمين ومعذبهم يكون هذا وعظاً وتخويفاً لكل الحاضرين ، مما ينتظرهم من العذاب ، وسوء المصير نتيجة لظلمهم .

أما الذين ظلموا فأخذهم الله  بِعَذَابٍ بَئِيسٍ..  أي عذاب شديد ، وقوله : بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ.. أي تعني أن المسألة لم تكن تعنتاً من الله سبحانه وتعالى ، ولكنها كانت بسبب ظلمهم وفسقهم ومخالفتهم لمنهج الله تعالى .

By Lars