لما غلب الشوق رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، ومن معه للاعتمار بمكة المكرمة ، خرج هو وزوجه أم سلمه وألف وخمسمائة معتمر في العام السادس من الهجرة ، وكلهم شوق لزيارة بيت الله الحرام ، وهو الأمر الذي أزعج القرشيون وجعلهم يقررون منع الرسول صلّ الله عليه وسلم ومن في ركابه من دخول مكة .

ووصل الأمر إلى مسامع رسول الله لكنه لم يرتجع ، وقال لمن أبلغه : ما جئنا للقتال ولكن جئنا معتمرين ، وواصل الرسول سيره إلى مكة حتى صار بالحديبية على بعد 9 أميال منها ، ورأى الرسول أن يرسل نفر ممن معه ليتفاوضوا مع قريش على الدخول ، لأن الرسول صلّ الله عليه وسلم عزم ألا يعود أدراجه إلى بعد أن يطفئ شوقه لله .

فأختار في البداية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولكنه رشح عثمان بن عفان عوضًا عنه لأن كان يخشى من فرط كرهه لقريش ألا يصل معهم لحل ، فنزل الرسول صلّ الله عليه وسلم على رغبة بن الخطاب وأرسل عثمان رضي الله عنه .

ولما دخل الصحابي الجليل رضي الله عنه مكة يفاوضهم على دخول المسلمين لأداء مناسك العمرة ، قالوا له : إن أردت أن تطف أنت بالكعبة فطف ، فقال والله ما أطوف بها إلا بعد طوف رسول الله .

وظل عثمان بن عفان محتجزًا بمكة ثلاثة أيام ريثما تتخذ قريشًا أي موقف ، فلما طالت غيبة بن عفان شاع بين المسلمين نبأ مقتله ، وعلى الفور قال الرسول الكريم لن نبرح حتى نناجز القوم ، وقرر ومن معه محاربة قريش جزاءً لفعلتها ، وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ينادي في المسلمين لعقد بيعة على ذلك .

وكانت بيعة الرضوان أعظم بيعة عرفها التاريخ التي هب فيها المسلمين على قلب رجل واحد للاتفاق على محاربة قريش حتى أخر نفس ، رغم أنهم كان عزل لا يحملون من السلاح إلا ما يحمل المسافر ، وقد بايع فيها كل المسلمون رسول الله صلّ الله عليه وسلم على عدم الفرار ، فإما النصر وإما الشهادة ، كلهم بايعوا عدا الجد بن قيس والذي ظهر نفاقه ، بينما باقي المسلمون لم يفكروا لا في مال ولا زوجة ولا ولد .

ووهبوا أنفسهم لله رب العالمين ، وضمن من بايعوا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأم سلمه ، ومن الصحابة من بايع أكثر من مرة كسلمه بن الأكوع الذي بايع الرسول ثلاث مرات ، وعثمان بن عفان الذي بايع عنه الرسول فوضع يده وقال اللهم هذه عن عثمان .

وقد سميت بيعة الرضوان بهذا الاسم لأن الله سبحانه وتعالى أنزل في كتابه أن رضي عمن قاموا بها حين قال : (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (سورة الفتح ، الآية 18) .

كما تعرف أيضًا ببيعة الشجرة لأنها تمت تحت شجرة بالحديبية ، وكانت تلك البيعة سببًا من أسباب الصلح ، فلما علمت بها قريش اصطكت أسنانها ودب الرعب في قلبها ، وأشار عليها أهل الرأي بالصلح مع الرسول صلّ الله عليه وسلم ، وقد كانت تلك البيعة أعظم اختبار للمسلمين .

ظهر فيه تكاتفهم كرجل واحد وثباتهم على نصرة الله ورسوله حتى الموت ، فاجتمعوا كلهم على كلمة التوحيد غير عابئين بالموت المحقق ، الأمر الذي قلب الأمور رأسًا على عقب وجعل قريشًا تعيد ترتيب أوراقها وتغير موقفها خوفًا من رسول الله ومن معه ، ويرضخون للصلح الذي يسمح للمسلمين بدخول مكة والاعتمار والحج فيها في العام التالي .

By Lars