يقول الله سبحانه وتعالى : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }
تكامل لا تساوي :
واللفتة هنا هي أن الله لا يريدنا أن نكون متساوين في المواهب ولكنه يريد أن نكون متكاملين فيها لماذا ؟ لأنه إذا كان الناس كلهم صورة مكررة لفسدت الأرض فلو أننا جميعًا أطباء أو قضاة أو مهندسون أو فلاحون ، ما استقام الكون ولكنه رفع بعضا فوق بعض ، ومعنى ذلك أن بعضنا مرفوع وبعضنا مرفوع عليه .
حكمة الله الخالق :
أي أن كل واحد فينا مرفوع من جهة ومرفوع عليه من جهة أخرى ، حتى يتكاتف الناس لتكتمل الحياة ، والحياة تكتمل بالمصالح المرتبطة بعضها بالبعض تفضل حاجة ، فلو أننا جميعاً ، مثلا من خريجي الجامعة فلن نجد إنسانا يقبل أن ينظف الشارع ، أو يحمل القمامة أو يقوم بإصلاح المجاري ، ولكن كون المسألة مرتبطة ببعضها البعض ، فإن هذه المسائل تأتي اضطراراً ، وهذه هي حكمة الخالق سبحانه وتعالى ، ولكننا لا نفهمها في كثر من الأحيان !
أمثلة على حكمة الخالق :
لذلك فإننا مثلا نقول على الذي لم يكمل تعليمه الابتدائي ، أو الذي لم يأخذ حظاً من التعليم ، أنه فشل في حياته ، ولم نلتفت إلى أن هناك مهنة في الحياة لا تحتاج إلى شهادة الابتدائية ، فهذا الانسان الذي وصل إلى التعليم الابتدائي ، معد لمهمة في الكون لا يقوم بها غيره ، والإنسان إذا عضه الجوع أو حاجه عياله فإنه يعمل أي عمل فإذا رضي بقضاء الله تعالى وقدره فتح عليه فوصل رزقه في عمله إلى أضعاف رزق ذلك الذي تخرج من الجامعة ، ليس ذلك فقط ولكن يبارك الله تعالى له فيه أيضاً .
تفسير حكمة الله :
وهنا تظهر الحكمة في أن بعضنا مرفوع على بعض ، فكل إنسان إذا نظرت إليه وجدته مرفوعا في شيء ومرفوعًا عليه في شيء آخر ، الشيء الذي هو مرفوع فيه ، يستفيد منه الكون كله ، والشيء الذي مرفوع عليه يستفيد هو من غيره ، وهكذا تتكامل المواهب وتعطي الكون الجمال والكمال الذي يجعلنا جميعاً نستفيد من كل المواهب فينا .
فالمهندس الناجح المرفوع على الناس في فن الهندسة يبني لنا جميعا العمارات فنستفيد كلنا منه ، من يملك ومن يسكن ، وإذا احتاج هذا المهندس إلى بدلة ، أنيقة يلبسها فإنه يذهب إلى ذلك الانسان الذي رفعه الله في فن التفصيل فيستفيد من موهبته ، في هذا الفن ليحصل هو وكل الناس على ملابس أنيقة ، فإذا احتجنا إلى أثاث فأننا جميعًا نذهب إلى الانسان الذي رفعه الله في فن النجارة وصناعة الأثاث .
الرفع لإظهار تنوع المواهب :
وهكذا شاءت حكمة الخالق سبحانه وتعالى أن يكون كل منا مرفوع في شيء ومرفوع عليه في شيء آخر ، حتي يستفيد الكون كله من مواهب البشر جميعًا ، ويصبح كل واحد منا قادر على أن يستفيد من كل المواهب التي خلقها الله في الكون .
ابتلاء واختبار :
والحق سبحانه وتعالى يقول : {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} إذن فالمسألة هي ابتلاء واختبار ، والاختبار هنا ليس اختبار علم فالله سبحانه وتعالى لا يغيب عن علمه شيء ، ولكنه اختبار لنكون شهداء على أنفسنا تمامًا كالاختبارات التي تتم في الدنيا .
فالامتحانات التي تعقد في كل أنحاء الدنيا ، ليس هدفها أن يتعلم الأستاذ من التلميذ ، فالأستاذ هو الذي أعطى تلاميذه العلم فلماذا يختبرهم ؟ أنه يختبرهم ليكون كل واحد منا شهيدا على نفسه ، لأنه لو لم تعقد هذه الامتحانات لا دعى كل تلميذ سواء كان ناجحًا أو فاشلًا وفالحًا أنه يستحق النجاح مع مرتبة الشرف .
اختبار إقرار علينا :
إذن الحكمة من الامتحانات ، أن يكون كل انسان شهيدًا على نفسه فإذا ادعى أنه يعلم وأنه ذاكر فيأتون له بورقة اجابته فلا يستطيع المجادلة ، لأنه في هذه الحالة تكون أمام قرائن وأدلة تجعله عاجزا ، أن يجادل في الباطل ، لذلك فان ابتلاء الله لنا يكون اختبار إقرار علينا ، وليس اختبار علم الله ليقول سبحانه وتعالى للإنسان لقد خلقتك وأعطيتك هذه الموهبة وميزتك بها عن كل خلقي لتتكاملوا وتتعاضدوا ، فأرضى بما قسمته لك تكن أغنى الناس .