خرج رسول الله صلّ الله عليه وسلم إلى بدرٍ لقتال المشركين ، وخرج معه من حضر المسلمين ، خرج رسول الله صلّ الله عليه وسلم وثلاثُ مائةٍ وبضعةُ عشر من أصحابه ، ولم يعلم بذلك كثير من المسلمين .
خرج بعض المسلمين يرعى إبله ، وخرج بعضهم يسقي زرعه ، وخرج بعضهم يحرس بستانه ، وخرج بعضهم يفتح دكانه ، وانتشروا في حاجاتهم ، لأنهم أهل جد وشغل ولا يعرفون أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم خارج إلى بدرٍ ، أو غير بدرٍ ، وذهب أنس بن النّضر لبعض شأنه .
أنس بن النّضر :
ولا يدري أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم خارج اليوم إلى بدرٍ ، لو عرف الرجل ذلك لما فارق رسول الله صلّ الله عليه وسلم ولما برح مجلسه ذلك اليوم ، إنه كان حريصاً على الجهاد في سبيل الله ، إنه كان حريصاً على الشهادة في سبيل الله .
عن بدرٍ :
ونصر الله المسلمين في بدرٍ ، فهزموا المشركين شر هزيمة ، وأمّد المسلمين بألف من الملائكة مردفين ، وقتل المسلمون سبعين من المشركين ، وأسروا منهم سبعين ، وقتل ابو جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وقتل وليد وشيبة ، وكان بدراً يوم الفرقان وكان يوماً على الكافرين عسيراً ، رضي الله عن أصحاب بدرٍ ، وأتاهم مغفرة منه وأجراً عظيماً .
ولما علم أنس بن النضرة ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدرٍ وقاتل المشركين ، وأن المسلمين خرجوا معه وقاتلوا المشركين ، وعلم أن بدرٍ كانت يوم الفرقان ، يوماً فرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، يوماً ابيضّت فيه وجوه المسلمين ، واسودت وجوه المشركين .
حزن أنس والانتظار :
حزن أنس على غيبته حزنًا شديدًا ، وجاء إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم متأسفاً حزيناً ، وقال له : يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين ، لئن الله أشهدني قتال المشركين لَيَرَيَنّ الله ما أصنع .
قال أنس ذلك بصوت فيه الحزن وفيه الشجاعة ، وفيه الإيمان وفيه التوكل على الله ، من المؤمنين رجال لو أقسموا على الله لأبرهم ، ولو تكلموا عن أنفسهم لصدقهم ، وبقي أنس ينتظر ذلك اليوم ، الذي يشفي فيه نفسه ويرضي فيه ربه ، وبقي أنس لا يطيب له طعام ولا شراب ، ولا يسكن إلى أهل ولا أصحاب
هزيمة المشركون ومعاودة الأخذ بالثأر :
رجع المشركون من بدرٍ وقد قتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون ، ورجعوا إلى مكة وقد أظلمت لهم الدنيا وضاقت عليهم الأرض ، رجعوا إلى مكة لا يرفعون رؤوسهم من الخجل ، لقد هزموا هزيمة منكرة في بدرٍ.
ماذا يقول الناس عن قريش ، لقد هزم ثلاث مائةٍ وثلاثةُ عشر رجلاً ، ألف فارس من قريش ، واعجباه ! ، أين الذي كنا نسمعه عن شجاعة قريش ، ومن فروسية قريش ، ومن عزة قريش ؟
لقد طار ذلك في الآفاق ، وانتشر في القبائل ، وتحدث الناس به في المجالس ! وكيف يخفي مثل بدرٍ على الناس ، وكيف يخفي قتل أبي جهل ، وقتل عتبة عن القبائل ؟ وكيف تواجه قريش الناس في الموسم ، وكيف تفتخر عليهم في منى ! ، وماذا ستقول عن محمد وأصحابه ، وقد هزموا جيشها بالأمس هزيمة منكرة ، عزمت قريش على أن تخرج من هذه المشكلة ، عزمت أن تأخذ ثأر بدرٍ ، عزمت أن تغسل عنها عار بدر ، إنّ هذا هو الحل الوحيد ، إن هذا هو الأمر الرشيد .
اجتماع المسلمون والمشاورة :
لما بلغ رسول الله صلّ الله عليه وسلم خروج المشركين من مكة جمع أصحابه ، وقال لهم : ماذا ترون ؟ هل نقاتلهم في المدينة أم نخرج إليهم ؟ ، وكان من رأي الشيوخ أن يبقى المسلمون في المدينة ويقاتلوا المشركين ، وكان ذلك ما يراه رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وكان هذا هو الرأي ، وكان الشبان يرون أن يخرج المسلمون من المدينة ، ويقاتلوا المشركين ليظهر بلاءهم وجلادتهم ، وتنازل الرسول صلّ الله عليه وسلم إلى رأيهم وخرج من المدينة .
التخطيط للحرب وخروج المسلمين :
ولما كان في الطريق انعزل عبدالله بن أُبيٍ بنحو ثلث العسكر ، وكان رأيه أن لا يخرج رسول الله صلّ الله عليه وسلم من المدينة ، وقال : تخالفني وتسمع من غيري ؟ وهكذا كان المسلمون سبع مائةٍ فيهم خمسون فارساً .
واستعمل رسول الله صلّ الله عليه وسلم عبد الله بن جبير على الرماة ، وأمره وأصحابه أن يلزموا مركزهم ، وأن لا يفارقوه ، ولو رأورا الطير تتخطف العسكر ، وأمر رسول الله صلّ الله عليه وسلم الرماة أن يرموا المشركين لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم ، وأعطي اللواء مصعب بن عمير ، ودفع سيفه إلى أبي دجانة وكان شجاعاً وبطلاً ، ودارت رحى الحرب .
الحرب ومخالفة الأمر :
ودارت رحى الحرب ، وكانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار ، وانهزم عدو الله وولّوا مدبرين حتى انتهوا إلى نسائهم ولكن يا للأسف ! ، لم يحفظ الرماة قول رسول الله صلّ الله عليه وسلم وعملوا برأيهم ، لقد أمرهم رسول الله صلّ الله عليه وسلم أن يلزموا مركزهم ، وأن لا يفارقوه ولو تخطفت الطير العسكر .
لو فعلوا ذلك ولزموا مركزهم لكان خيراً لهم ، ولكن ذلك لم يكن ، لما رأى الرماة هزيمة الكفار تركوا مركزهم الذي أمرهم رسول الله صلّ الله عليه وسلم بحفظه ، وقالوا : يا قوم الغنيمة ! الغنيمة !
وذّكرهم أميرهم عبدالله بن جبير عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : ياقوم ألم يقل لكم رسول الله ، الزموا مركزكم ولا تفارقوه ، ولو تخطفت الطير العسكر ! ، ولكن أصحاب عبدالله لم يسمعوا قوله ، وظنوا أن المشركين قد انهزموا ، وأنهم لا يرجعون ، فلماذا نبقى مكاننا ؟ ، وها أؤلئك أصحابنا يأخذون الغنيمة ، فلماذا نتركها نحن ؟ إن الحرب قد انتهت ، وراح المشركين ، فلا رجعة لهم ، فما معنى بقاءنا هنا إذن؟ إن رسول الله لم يرد ذلك ، إن رسول الله لم يأمر بذلك .
عودة المشركين من الثغر :
وذهب هؤلاء وبقي عبدالله يحفظ الثغر ، رضي الله عن عبدالله وعفا عن أصحابه ، وكرّ فرسان المشركين فوجدوا الثغر خالياً ، فقد خلا من الرماة فدخلوا منه واجتمعوا بعد ما تفرقوا ، وقُتِل عبدالله بن جبير ، ومن معه من أصحابه ، وقُتل سبعون من الصحابة ، فأكرمهم الله بالشهادة ، وانكشف المسلمون وثبتَ رسول الله صلّ الله عليه وسلم وجماعة من أصحابه .
ووصل المشركون إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم فجرحوا وجهه وكسروا رباعيته ، وهشّموا البيضة على رأسه ، ورموه بالحجارة حتى وقع في حفرة ، فأخذ عليٌ بن أبي طالب رضي الله عنه بيد رسول الله صلّ الله عليه وسلم .
واحتضنه طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه ، و نشبت حلقتان من حلق المغفر في وجه رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، فانتزعهما أبي عبيدة رضي الله عنه ، وعض عليهما حتى سقطت ثَنِيّتاهُ ، يا لهما ثنيتين مباركتين ، يالهما من ثنتين ثمينتين !
أبي بكر الصديق والصحابة :
قال أبو بكر رضي الله عنه : غابت حلقة من حلق المغفر في وجنة رسول الله صلّ الله عليه و سلم ، فذهبت لأنزعها عن النبي ، فقال أبي عبيدة رضي الله عنه : نشدتك بالله يا أبابكر ، إلا تركتني فذهب ينتزعها حتى سقطت ثنيّتُهُ.
قال أبو بكر : ثم ذهبت لآخذ الآخر ، قال أبو عبيدة : نشدتك بالله ، يا أبا بكر إلا تركتني، قال: فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه حتي سقطت له ثنية ثانية ، امتص مالك بن سنان رضي الله عنه الدم من وجنتيه ، فقيل له مُجّه ، فقال : والله لا أمجه أبداً .
دفاع الصحابة عن رسول الله :
وتقدم المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا شراً ، و أبى الله ذلك والمؤمنون ، وحال دون رسول الله صلّ الله عليه وسلم عشرة من الصحابة و قتلوا جميعاً ، ولم يبقى منهم أحداً ، وتَرّس أبو دجانة رضي الله عنه على رسول الله صلّ الله عليه وسلم بظهره ، والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك ، وتَرّس عليه طلحة بن عبيد الله بيده ، والنبل يقع فيها حتى شُلّت .
ما أكرمه من ظهر وما أكرمها من يد ! ، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلو صخرةً ، فلم يستطع لما به من ضعف وجراح ، فجلس طلحة تحته حتى صعدها ، ياله من مطية ويا له من راكب.
وقاتلت أم عمارة قتالا شديداً ، وضربت عمرو ابن قئمة بالسيف ضرباتٍ ، وضربها عدوٌا لله بالسيف فجرحها جرحاً شديداً ، وبقي رسول الله مرةً في سبعةٍ من الأنصار ورجلين من قريش ، هجم المشركون ، فقال : من يردهم عني وله الجنة ، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، ثم هجموا فقال : من يردهم عّني فله الجنة ، وهو رفيقي في الجنة ، فلم يزل كذلك حتى قتل سبعة .
أنس بن النضر :
وثبت أنس بن النضر رضي الله عنه و قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ، يعني المسلمين ، و أبرأ إليك مما صنع هؤلاء ، يعني المشركين ، ومرّ أنس بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم ، فقال : ماذا تنتظرون ؟
قالوا : قتل رسول الله صلّ الله عليه وسلم ! فقال : ما تصنعون بالحياة بعده ! قوموا فموتوا على ما مات عليه ! ولقى أنس سعد بن معاذ رضي الله عنهما ، فقال : يا سعد إني لأجد ريح الجنة من دون أُحُد ، وتقدم أنس إلى الجنة وهو يراها أمامه ، فقاتل الذين كانوا يريدون أن يحولوا دونها ، وقاتل أنس قتالاً شديداً حتى قتل وبه بضع وثمانون ضربة ، ما بين طعنة برمح ، وضربة بسيف ، ورمية بسهم .
ووجده المسلمون قد قتل ومَثّلَ به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه ، رحمة الله عليك يا أنس ! فليكن الرجال هكذا ! وهكذا ليكون الأبطال !
أفضل الأدوات المجانية لتعلم الذكاء الاصطناعي تعلم الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة للمهتمين بالمستقبل الرقمي والتكنولوجيا.…
القسط الهندي العلاج الطبيعي وأسرار الفوائد المدهشة ما هو القسط الهندي ولماذا يُعتبر من الأعشاب…
الزعتر العشبة المعجزة لصحة الجسم والطاقة ما هو الزعتر ولماذا يُعتبر من الأعشاب الأساسية؟ الزعتر…
الكركديه المشروب السحري للصحة والجمال , لماذا يُعتبر الكركديه من أفضل المشروبات الطبيعية؟ الكركديه، المعروف…
البابونج العشبة الذهبية لصحة الجسم والعقل لماذا يُعتبر البابونج من الأعشاب السحرية؟ البابونج هو عشب…
الحبة السوداء بذور البركة وفوائدها العلاجية المذهلة ما هي الحبة السوداء ولماذا تُعرف ببذور البركة؟…