قص النبي صلّ الله عليه وسلم ، على أصحابه هذه القصة ليعتبروا بما جاء فيها ، ويغرس في قلوبهم مبادئ الشكر والعرفان على ما أنعم الله به عليهم من نعم ، ويمحو ما في نفوسهم من الكبر ، والطغيان ، وقد وردت في حديث نقله أبي هريرة رضي الله عنه ، وهي قصة الأبرص والأقرع والأعمى.
وقد جاءت القصة لتخبرنا أن العافية نعمة ضئيلة من ضمن نعم الله التي لا تعد ولا تحصى ، و أن المرض رحمة من عنده ضد خفايا النفس ، وما تأمر به من سوء ، وأن الغرور يدمر صاحبه ، و أن المظهر يخدعنا جميعًا .
وتأتي أيضا لتعلمنا مقتطفات بسيطة حول الدنيا الزائلة ، وتبث فينا روحا عادلة إذا تأملت خالقها شكرت وإذا هيأت لها نفسها الشر نكرت ، فالله عند حسن ظن عبده ، فقد قال تعالى أنا عند حسن ظن عبدى بي فليظن بي ما يشاء إن خير فخير وإن شر فشر اذا ابتليت فأشكر وإذا أنعم عليك فلا تنكر .
قصة الملك مع الأبرص :
روى النبي صلّ الله عليه وسلم قصة ، ثلاثة أشخاص من بني إسرائيل أراد الله سبحانه وتعالى أن يبتليهم ، فالأول ابتلاه بالبرص ، والثاني بالصلع ، أما الثالث فكان أعمى ، فبعث إليهم ملَكاً تمثل في هيئة بشر ، وذهب إلى الأبرص وسلم عليه وقال له : أي شيء أحب إليك ؟ .
فأجابه قائلًا : لون حسن وجلد حسن ، ويزول عني البلاء الذي ينفر الناس مني ، وكان للأبرص ما تمناه حيث زالت عنه العلة ، فلم تكن علته جسيمه ، فهي لم تقعده على الفراش ، وإنما كان يذهب ويجيء ، ولا يشعر بالألم ؛ فالبرص مجرد بياض يقع في الجلد ، فيشعر صاحبه أنه شخص مشوه ليس كأقرانه من البشر ، وهذا يشعره بالنقص .
مسح الملك بيده على موضع البرص فزال عنه بالكامل ، وعاد الجلد إلى لونه الطبيعي ، وقد أنعم الله سبحانه وتعالى على الأبرص بنعمة أخرى بجانب الشفاء ، حيث سأله الملك أي المال أحب إليك ؟ ، قال : الإبل ، فدعا الملك ربه أن ينعم على الأبرص بنعمة الإبل ، فرزقه الله بناقة عشراء وبارك له فيها .
قصة الملك مع الأقرع :
حان دور الأقرع فأته الملك ، وقال له : أيّ شيء أحب إليك ؟ ، قال : شعر حسن ، ويذهب عني هذا البلاء الذي ينفر الناس مني ، فعرف الملك ما يتمناه الأقرع ، فمسح عليه ، فشفى تمامًا ، فسأله الملك أي المال أحب إليك ؟ ، قال : البقر ، فأعطي بقرة حاملاً ، فقال : بارك الله لك فيها ، الأول أعطي ناقة عشراء ، وهذا أعطي بقرة حاملًا .
قصة الملك مع الأعمى :
ويسير الملك في طريقه بعد ذلك ذاهبًا إلى صاحب البلاء الثالث الأعمى فأتى الأعمى ، وقال له : أيّ شيء أحب إليك ؟ ، قال : أن يرد الله إليّ بصري ، فأُبصِر الناس ، فمسح الملك على عينيه ، فرد الله إليه بصره ، وبعدها سأله عن أي المال أحب إليه ؟ فقال : الغنم ، فأُعطي شاة والداً .
اختبار الله عز وجل للثلاثة :
كان لكلا فيهم ما تمنى وما لم يمنى ، حيث لا يخطر في باله النعم التي في انتظاره ، فالله سبحانه وتعالى جعلهم أثرياء ، فظلت السنوات تتلو الأخرى حتى أصبح للثلاثة شأن عظيم ، الأول لديه واد من الإبل والثاني لديه واد من البقر والثالث يمتلك واد من الغنم ، وحان وقت الاختبار ، أراد الله أن يعرف من سيشكره على نعمه ، ومن سينسى ، ويأخذه الكبر والغرور..
بعد أن أصبح الثلاثة من ذوي المال ، والوجاهة ، أتى إليهم الملك متخفيًا في صورة رجل ولكن كان هناك فرق بين المرتين التي أتى فيهما الأول كان ذو مظهر حسن ، أما الثاني فكان فقير يبدو عليه ضيق الحال ، يبدأ الاختبار فيذهب الملك إلى الأبرص قائلًا : أسالك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن أن تعطني بعيرًا أتبلغ به سفري ، فرد عليه الأبرص بمنتهى الغرور ، وقال له الحقوق كثيرة .
فأراد الملك أن يذكره بماضيه فقال له : كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص يقذرك الناس ؟ فقيرًا فأعطاك الله ؟ فقال : إنما ورثت هذا المال عن أهلي ، لقد أصاب الأبرص الغرور ونسى نعم الله عليه ، فما كان له إلا أن دعا الملك عليه ؛ إن كنت كاذبًا فصّيرك الله إلى ما كنت عليه ، وأتى الأقرع في صورته وهيئته ، فقال له مثل ما قال للأبرص ، ورد عليه الأقرع مثل ما رد الأبرص ، فقال له الملك : إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت .
وأتى إلى الأعمى في صورته وهيئته التي قابل بها الاثنان الآخران ، وقال له : أنا رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري ، ولن أصل اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك أن تعطني شاه ، أتبلغ بها في سفري ؛ فقال له : قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري ، فخذ ما شئت ودع ما شئت ، فو الله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عزّوجّل.
فقال الملك له أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رضي الله عنك ، وسخط على صاحبيك ، وفي هذا الابتلاء عظة كبيرة ، فالله سبحانه وتعالى عرف به من الأحق بنعمته ، ومن لو ظل على مرضه لكان هذا خير له ، فأحيانا يكون المرض ستار عظيم لحفظ صاحبه من نفسه ، وأحيانا لاختبار قدرة صاحبه على تحمل البلاء ، والبشر أنواع منهم من يبتلى ويصبر ، ويشكر الله على باقي النعم ، ومنهم من يسخط ويرفض ، ولا يعترف بفضل الله عليه حتى لو أتاه واد من النعم ، جعلنا الله وإياكم من الشاكرين.