لقد خص الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورسله الكرام بأعجب القصص ؛ لاسيما سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم خاتم الرسل والأنبياء ومبعوث البشرية جمعاء ، ولم ينس الله سبحانه وتعالى أن يجعل للصحابة الأوفياء نصيبًا من دروس المعجزات والعبر التي تثبت قلوبهم ، وتبث فيها الطمأنينة ؛ كلما أوشك أحدهم على إضعافها .
ومن بين هذه القصص قصة عجيبة حدثت مع أبو تميم الداري حينما خرج في رحلة بالبحر ، رأى فيها نبًأ يقين ؛ قصه على الرسول صلّ الله عليه وسلم ، ففسره له ، وكانت المفاجأة ، فذات يوم ركب أبو تميم الداري سفينة يومًا مع ثلاثين رجلًا من قومه ، فضلوا في طريقهم في البحر ، وعلت الأمواج ، واشتدت الريح ، فاتجهت السفينة بهم إلى جزيرة مجهولة ، فنزلوا جميعًا إلى الشاطئ .
وهناك قابلتهم دابة غريبة الشكل ، يغطي الشعر كل جسدها . فسألوها : من أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة وأخبرتهم أن هناك رجلًا ينتظرهم في مكان بالجزيرة ، ودلتهم على مكانه.
فانطلقوا مسرعين حتى وصلوا ، فوجدوا فيه إنسانًا ضخمًا ، غريب الهيئة والشكل ، يداه مربوطتان في عنقه ، وهو موثوق بالحديد ما بين ركبتيه إلى كعبيه ؛ فوقفوا أمامه مندهشين ، وقالوا : ويلك ، من أنت ؟ فقال : أخبروني من أنتم ؟ قالوا : نحن أناس من العرب ، ثم أخبروه بأمره ، قال : أخبروني عن نخل بيسان وهو نخل يطرح بأرض الشام ، هل يثمر ؟ فقالوا : نعم .
قال : أما إنه يوشك أن لا يثمر ، ثم قال : أخبروني عن بحيرة الطبرية ، وهي بحيرة بالشام ، هل فيها ماء ؟ ، فقالوا : هي كثيرة الماء ، قال : أما إن ماءها يوشك أن يذهب ، ثم قال : أخبروني عن عين زغر بالشام ، هل في العين ماء ؟ هل يزرع أهلها بماء العين ؟
فقالوا : نعم ، هي كثيرة الماء ، وأهلها يزرعون من مائها ، قال : أخبروني عن نبي الأميين ما فعل ويقصد بقوله النبي محمدًا صلّ الله عليه وسلم ؟ ، فقالوا : قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال : أقاتله العرب ؟! فقالوا : نعم.
قال : كيف صنع بهم؟ فأخبروه أنه قد انتصر عليهم وأطاعوه ، فقال : أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه ، وإني مخبركم عني ، إني أنا المسيخ ، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج ، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قريًة إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة ،
ويقصد بطيبة المدينة المنورة ، فهما محرمتان علي ، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف يصدني عنها ، فلما عاد أبو تميم إلى المدينة ، أسلم ، وحكا ذلك للنبي صلّ الله عليه وسلم ، فقال الرسول صل الله عليه وسلم : هذه طيبة ، وذاك الدجال ، وقد روى هذا الحديث عن رسول الله صلّ الله عليه وسلم الإمام مسلم في صحيح مسلم.