أحمد بن محمد بن حنبل ، شيخ الإسلام ، ورابع الائمة الأربعة ، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي ، يقال أن طريق الحق كان أحمد بن حنبل ، رجل شق الإيمان صدره ، رأى الموت بعينيه أكثر من مرة ولم يضطرب ، وكان ميزان العدل وكفته ، ومنبع العلم ومنهله ، وعرف برجاحة العقل ، وطيب القول ، والصبر على المحن .
مولده ونشأته :
ولد أحمد بن حنبل لأبوين عربيين كريمين ، فأبوه محمد كان جنديًا في جيش الدولة الأموية ، وجده حنبل بن هلال كان واليًا على إحدى بلاد فارس ، وكانت أمه بنت أحد أعيان مدينة البصرة بالعراق ، ورغم هذا النسب الكريم لم يأخذه الغرور يومًا ، بل عاش قانعًا متواضعًا بين الناس .
ولد الإمام أحمد رضي الله عنه ، ببغداد في ربيع الأول من سنة 164 هـ ، نشأ يتيمًا ، إذ مات أبوه ، وتركه لأمه التي قامت على تربيته ؛ فألحقته بأحد مكاتب تحفيظ القرآن الكريم ، وحينما ظهرت عليه علامات التفوق ، أرسلته لدار تحرير الرسائل ، والمكاتبات ؛ فكان ذكيًا ، مشهود له بين كل الزملاء .
طلبه العلم :
كان بن حنبل متطلعًا للعلم ، محبا له ، يتلقى علم الفقه والحديث بالعراق ، والشام ، والحجاز ، لكي يتعلم سنة رسول الله صلّ الله عليه وسلم ؛ فكان أوائل الذين قاموا بجمع أحاديث الرسول صلّ الله عليه وسلم ، من كافة الحواضر الإسلامية .
تلقى الإمام الحديث عن الإمام الشافعي ببغداد ، وعبد الرازق بن همام في اليمن ، وحينما عرض عليه الشافعي أن يعينه الخليفة قاضي في اليمن ، حتى ينهل من العلم دون سفر وتعب تعفف ولكنه اعتذر ؛ فهو يرى أن طلب العلم دون مشقة لا قيمة له ولا ثواب عليه ؛ فقد كان يرى أن الوظيفة ستمنعه من الهجرة من بلد إلى بلد بحثًا عن العلم ، والعلماء.
مجلسه :
لم يسمح بن حنبل لنفسه أن يتخذ مجلسًا له ، بأي جامع ، إلا بعد أن أتم الأربعين عامًا ؛ تشبها برسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وكان درسه بين صلاتي العصر والمغرب ، فذاع صيت الإمام واشتهر بين الأمصار الإسلامية ، ووصل عدد المستمعين لدروسه إلى ما يقرب من خمسة ألاف رجل .
أخلاقه :
كان رحمه الله تقيًا ، عزيز النفس ، يخاف من غضب الله تعالى ، وكان يرى أن أخذ الهدايا من الخليفة ، شيء يغضب الله تعالى ، فلما أرسل إليه الخليفة المتوكل بعض الهدايا والنعم ؛ رفض ولم يقبلها ؛ فلم يكن من المقربين لبيت الخلافة .
فقد حدث أن وقع من يده مقراض في بئر ، فجاء أحد المستأجرين في داره وأخرج له ؛ فعرض عليه الإمام نصف درهم ، ولكنه رفض لأن المقراض لا يساوي شيئًا ؛ فلم يسترح الإمام الا وتنازل له عن الإيجار .
أيضًا كان من صفاته الأمانة ، فما استأمنه أحد على سر إلا وحفظه ، فقد كانت نساء الجنود ترسل في طلبه ليقرأ لهم رسائل أزواجهم ويرد عليها .
المحنه والصبر على البلاء :
بعدما تولي الخليفة المأمون بن الرشيد إمارة المؤمنين ، وظهرت فتنه خلق القرآن ، وفقد كان المأمون ينهج نهج المعتزلة ، الذين يقرون بأن الله مخلوق وليس كلام الله تعالى ، ونكل الخليفة بالعلماء ، إلا أربعة علماء هم محمد بن نوح ، والإمام أحمد بن حنبل ، مات محمد بن نوح وهو بالآسر ، وتراجع الاثنين الآخرين عن قولهم ، وظل الإمام أحمد أمة واحدة على طريق الحق ، ورفض القول بأن القرآن مخلوق .
فقيدوهم بالحبال أرسلوهم إلى عسكر أمير المؤمنين ، ولكن في الطريق سمعوا بموت أمير المؤمنين ، فعادوا مع الحرس إلى السجن ، وتولى الخلافة المعتصم بالله ، وعلم المعتصم بأمرهم ، فأرسل في طلب بن حنبل ، وأخذ العسكر يضربونه بالسياط ، مرة بعد أخرى حتى سقط مغشيًا عليه من فرط التعب ، وما زاده كل هذا إلا صبرًا على المحن .
وفي مرة أراد الخليفة أن يخوفه فضرب أمامه عنق رجلين بالسيف ، فما كان منه الا أن نظر فوجد بجواره أحد أصحاب الإمام الشافعي ، فأخذ يحدثه في العلم ؛ حتى تعجب القوم من أمره كيف يرى منظرًا كهذا ، ولا يخف.!
ولما يئس الخليفة المعتصم من أمر بن حنبل أطلق سراحه ولزم بيته حتى مات المعتصم ، وتولى بعده الخلافة الواثق بالله أمير المؤمنين ، وأعاد الواثق النظر في أمر بن حنبل ، وناقشه في رأيه ومذهبه فلما وجده مستمسك برأيه أمره أن يلزم بيته ولا يخرج لدروس أو لحديث مع الناس ، وظل الحال على هذا إلى إن استفاق الواثق وعاد إلى صوابه ؛ وأعاد بن حنبل إلى الدرس عزيزًا منتصرًا ، وانفكت أزمة خلق القرآن .
وفاته :
استمر الحال بابن حنبل ما بين المجالس والدروس إلي أن وافته المنية في نهار الجمعة سنة 241 هـ ، وقد ترك بن حنبل خلفه تراثًا عظيمًا من الكتب والعلم ، والتلاميذ والأتباع بكل الأمصار ، وانتشر مذهب الإمام أحمد في مناطق الحجاز .
كتبه :
– المسند في الحديث .
– العلل ومعرفة الرجال .
–فضائل الصحابة .
–التفسير .
– الناسخ والمنسوخ .
–الزهد وهو مجلد كبير .
– الأسامي والكنى .
–الرد على الزنادقة والجهمية .
–كتاب أهل الردة والزنادقة .
–الإمامة مجلد صغير .
–نفي التشبيه .
– المقدم والمؤخر في القرآن .
–جوابات القرآن .
–المناسك الكبير .
–المناسك الصغير .
–الوقوف والوصايا .
–أحكام النساء .
–الترجل .
–الإرجاء .
–الفتن .
–فضائل أهل البيت .
–مسند أهل البيت .