ما زال اسم العاشقة العابدة رابعة العدوية خير مثال للزهد والورع ؛ فقد سطر التاريخ عنها كتبًا ومازال يسطر ، وأفند لها من الكتب والسطور ما لم يفند لامرأة في فصاحتها وزهدها ، إنها إمامة العاشقين التي عرف قلبها طريق الحب ولم يرضى دونه بديلًا ، ولكنه حب الله سبحانه وتعالى فلم تغريها الدنيا بكل ما فيها ، فتركتها لمن أرادها واكتفت بحب العلي جل جلاله .
وقد قام صناع السينما بتصوير فيلم عن قصة حياتها ، ولكنه لم يكن منصفًا لها حيث صورها الفيلم في حياتها الأولى غارقة في مسائل الترف والملذات وأمور البغاء ، وهذا من أمور التشوية التي تعرضت لها رابعة ، وقد كان الجاحظ أول من كتب عن زهدها وبلاغتها ، وتوالت من بعده الكتابات .
النشأة والميلاد :
ولدت رابعة العدوية في مطلع القرن الثاني الهجري ، ببيت من بيوت أهل عدوة بالبصرة في العراق ، وهي رابعة بنت إسماعيل القيسية ، وسميت رابعة لأنها كانت الابنة الرابعة على ثلاث اخوات ، أما القيسية فلأن أمها كانت من قبيلة قيس ، ولدت رابعة لأبوين فقيرين لكنهما كانا مؤمنين ورعين ، ونشأت في بيئة دينية قويمة وحفظت فيها القرآن ورتلته ، وكان لديها من عذوبة الصوت ما يشجي السامعين .
وفاة الأب :
سرعان ما مات والد رابعة ولحقته أمها وهي في سن صغيرة ، فلم تستطع هي وأخواتها العيش في شظف الحياة من بعدهما ، فلم يترك لهما الأب سوى قارب ينقل الناس في نهر دجلة بدراهم معدودة ، وما أن اصابت المجاعة بلاد العراق حتى كثر اللصوص ، ورآها أحدهما وحيدة مشردة فسرقها وباعها في سوق الرقيق .
حياة الرق :
تجرعت رابعة العذاب والرق في بيت سيدها ، فقد كان يعذبها ويسقيها من السخرة كؤوسا ؛ فكانت تناجي ربها ليلًا باكية : ” إلهي .. أنا يتيمة معذَّبة أرسف في قيود الرِّق وسوف أتحمَّل كل ألم وأصبر عليه ، ولكن عذاباً أشدّ من هذا العذاب يؤلم روحي ويفكِّك أوصال الصبر في نفسي ، منشؤه ريب يدور في خَلَدي : هل أنت راضٍ عنِّي ؟ تلك هي غايتي“.
وكانت رابعة تؤدي عملها وفرائضها في بيت سيدها على أكمل وجه ، فلما استيقظ ذات يوما سمعها تتعبد قائلة : إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنَّى طاعتك ، ونور عيني في خدمتك ، ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن مناجاتك .. لكنك تركتني تحت رحمة مخلوق قاسٍ من عبادك ، وهالهُ ما رأى من هالة حولها وقنديل منير فوق رأسها ، ففزع ، وبات ليلته مفكرًا وفي الصباح وهبها حريتها ، وخيرها بين البقاء سيدة أو الرحيل حرة فاختارت الرحيل .
الخلاف حول حياتها :
بعد هذه المرحلة يقال أنها اتجهت لعزف الناي والغناء ، ولكن سرعان ما اعتزلت ذلك عائدة إلى كنف ربها ، وظلت العابدة العاشقة رابعة امرأة طاهرة لم يمسها الشيب يومًا .
العبادة والتهجد :
كانت رابعة العدوية واحدة من الذين اتخذوا لأنفسهم منهجًا في الزهد والعبادة ، فكانت تحضر دروس الدين والعلم بالمساجد ، ولا يشغلها عنهم أي من متاع الدنيا ، وتعرفت على واحدة من كبرى العابدات بالبصرة ، وهي السيد حيونة التي أثرت فيها أشد التأثير .
فكانت تقضي الليل معها للتهجد والعبادة ، وتقول عنها خادمتها عبده بنت أبي شوال ، أنها كانت تصلي مئات الركع في اليوم الواحد ، وحينما كان يغلبها النوم كانت تردد يا نفس كم تنامين ؟ وإلى كم تقومين ؟ يوشك أن تنامي نومة ، لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور .
زهد رابعة :
كانت رحمها الله زاهدة متعبدة عاشقة لله ورسوله ، حينما كانوا يسألونها ماذا تطلبين ، كانت تجيب قالت : لا أريد ثواباً بقدر ما أريد إسعاد رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، حتى يقول لإخوته من الأنبياء : انظروا هذه امرأة من أمتي ، هذا عملها .
وفي زهدها العديد والعديد من الحكايات والقصص ، حيث ذكر الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين ، أن محمد بن سليمان الهاشمي ولى البصرة ، بعث إلى العلماء يستشيرهم أي امرأة يتزوج وقد كان ثريًا يملك من المال ما يغنيها ؛ فأجمع العلماء على رابعة العدوية ؛ فأرسل إليها برسالة يطلب منها الزواج ، ويخبرها بمدى ثرائه .
فما كان من العابدة الزاهدة إلا أن أرسلت له قائلة : أما بعد اعلم أن الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن ، والرغبة فيها تورث الهم والحزن ، فإذا أتاك كتابي هذا فهيئ زادك ، وقدم لمعادك ، وكن وصي نفسك ولا تجعل الناس أوصياءك فيقتسموا تراثك ، وصم عن الدنيا وليكن إفطارك على الموت ، فما يسرني أن الله خولني أضعاف ما خولك فيشغلني بك عنه طرفة عين ، والسلام ، وعاشت رابعة عذراء بتولا ، رغم تقدم أفاضل الرجال لخطبتها ، ولكنها أثرت حب الله ورسوله .
مواقف من حياة رابعة :
في يوم من الأيام دخل لص حجرتها بغرض السرقة ، وكانت رابعة نائمة فحمل ثوبها وجاء ليخرج من الباب ، فلم يجده ، فوضع الثوب فإذا بالباب ماثلًا أما عينيه ، فحمل الثوب وهم بالخروج ، فإذا بالباب ليس موجود ، فأعاد ذلك مرات كثيرة ، وما من فائدة ، وإذا به يسمع صوتًا يهتف ، إذا كان المحب نائمًا ؛ فإن الحبيب يقظان ، دع الثوب وأخرج ، فإن نحفظها ولا ندعها لك إن كانت نائمة .
فوضع اللص حينها الثوب وهم بالخروج ، فأحست به رابعة وقالت يا هذا لا تخرج قبل أن تأخذ شيء ، فتعجب اللص من قولها ، قال لها ليس في الحجرة سوى إبريق ، قالت له خذه وتوضأ منه وصل ركعتين سوف تخرج بشيء ، ومن هنا كانت توبة اللص على يد العابدة الزاهدة رابعة العدوية .
الوفاة والرحيل :
لقيت الناسكة العابدة رابعة ربها وهي في سن الثمانين من عمرها ، وقد ظلت طوال عمرها مشغولة بحب الله سبحانه وتعالى ، ودفنت بالقدس بعد أن وافتها المنية ، ويقال أن خادمتها عبده قد رأتها في المنام ، وهي تلبس حلة من استبرق ، وخمار من سندس أخضر.
فرحم الله تلك المرأة التي تركت الدنيا بكل متاعها من أجل نيل الآخرة ، واللحاق بركب الصالحين ، فيا ليت كل منا رابعة.
abraj alyawm نعرض لكم في هذا المقال أحدث توقعات الأبراج اليومية ونصائح الحظ الفلكي. اكتشف…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…
فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…
فنجان الابراج اليوم مع قارئة الفنجان المميزة. انضموا إلينا لاكتشاف ما تخبئه لكم النجوم من…
abraj alyawm نعرض لكم في هذا المقال أحدث توقعات الأبراج اليومية ونصائح الحظ الفلكي. اكتشف…
توقعات الأبراج اليوم | حظك اليوم - مرحباً بكم في أبرز التوقعات اليومية لجميع الأبراج.…