عادة ما نسمع أن الأماكن والمناطق الريفية ، تذخر بالجن والأشباح ، والحكايات المثيرة والغريبة بشأنهم ، خاصة الأماكن الواقعة بالقرب من الترع ، والمصارف في هذه المناطق ، ولكن هل سألت نفسك يومًا ، ما السر الكامن خلف تلك الحكايات ، أو إلى أي مدى يمكن أن يصدق من رووها بشأن رواياتهم ، لعل الطبيب محمد هشام ، لم يكن أول من يخوض تلك التجربة ، ولكنه كان أول من رواها.
الطبيب محمد هشام ، شاب ثلاثيني حصل على تكليف له في إحدى القرى ، وبالطبع كما نعلم ما يصحب القرى من خرافات وشائعات ، وغيرها من الأشياء التي قد تحيل حياة ، أصحاب العلم إلى جحيم بمجرد التفكير فيها ، وهذا هو ما واجهه محمد في تلك القرية النائية .
كانت القرية عبارة عن ضفتين بينهما ترعة ، تلونت باللون الأحمر ، وكانت أول ما استغربه محمد عند وصوله ، ومع بقائه فترة من الوقت ، بدأ يلاحظ على أهالي القرية عدة أمور ، أولها أنهم في نهاية كل يوم ، يترددون بكثافة على الوحدة الطبية ، وقبل أن يحل المغرب بساعة بالضبط ، ويحاولون مداواة جروح أشبه بخدوش في أجسادهم ، كانت أجساد الجميع تعاني من تلك الخدوش الغريبة .
وبسؤالهم لم يكن أحدهم يقر بشيء ، فتارة يقول البعض أنهم لا يعلمون ، وتارة أخرى يقولون حيوانات في الحقول ، وطيور أبو قردان المنتشرة ، إلا أن محمد ظل يفكر ما الذي قد يتسبب في تلك الخدوش ، لكل أهالي القرية كل ليلة !
في أحد الأيام ، كان محمد قد أطال السهر ، وكانت المرة الأولى التي يسهر فيها ، منذ أن أتى إلى القرية ، وأثناء جلوسه خلف نافذة غرفته ، لاحظ تصاعد أصوات غريبة ، وكأن هناك من يتشاجرون سويًا أسفل نافذته ، فاندفع لينظر ما يحدث ، ولكنه لم يجد شيئًا! وبالمزيد من التدقيق ، هلع محمد للفكرة التي أدركها ، لقد كانت أصوات الشجار ترتفع من خلف نوافذ جيرانه ، كل أهل القرية يتشاجرون سويًا في نفس التوقيت .
مرت بضعة أيام ، كانت تمر عليه كل يوم حالات المرضى ، الباحثون عن علاج لخدوش أجسادهم المتواصلة ، وفي نهاية اليوم ، أغلق باب الوحدة ، وطلب من الممرض أن يأتيه فورًا ، فذهب إليه الرجل وهو مرتبك بشدة ، وكأنه يعلم عم سوف يسأله الطبيب ، نظر له محمد طويلاً ، وطلب منه الجلوس ، وسأله عن السبب في هروب الطبيب الذي سبقه ، من القرية والحالة النفسية السيئة ، التي مر بها بعدها .
اتسعت عينا الرجل رعبًا ، وحاول أن يهرب من المكان ، إلا ان محمد لوّح له بالمفتاح في الهواء ، في رسالة فهم الرجل مغزاها وجلس على مقعد مقابل له ، ثم قال له سوف أخبرك كل شيء ، هذه القرية لم تكن بهذا العمار من قبل ، ومنذ سنوات طويلة جاءها أحد السحرة ، وكان يجوب المكان وكأنه يبحث عن شيء ما ، وما لبث أن بنى لنفسه كوخًا في المكان ، وبعدها كنا نرى يوميًا مياه الترعة ، تتحول إلى اللون الأحمر القاني كل ليلة ، وكأن هناك ذبيحًا بها .
ومرت الأيام حتى مات هذا الساحر ميتة بشعة ، ومنذ هذا الوقت ، حدثت لأهالي القرية أمورًا عجيبة ، نيران تشتعل فجأة في المنازل ، وكلما أطفأنا أجداها ، تولدت أخرى في مكان جديد ، هذا إلى جانب خدوش تظهر بأجساد الناس ، كل ليلة وعلامات على منازلهم ، وكانت منها ما استطعنا أن نميز بها ، وجود متوفى بالمنزل عندما تظهر .
في النهاية أتينا ببعض الشيوخ ، الذين كانوا يقرؤون القرآن ثم يعودون دون جدوى ، حتى أتى أحد الشيوخ ، الذي امتعض أول ما دخل القرية ، وقال أن أمورًا سيئة حدثت للجن بها ، وأن هذه القرية شهدت لعنة دمائهم ، التي سوف تطاردهم ما بقي من الدهر ، وأنهم لا يجب عليهم كشف هذا السر لغريب ، أو أن يكشفه غريب بنفسه ، ولهذا عندما كشف الطبيب السابق ، ما حدث هاجمته الجن ، وخرج من القرية وهو في حالة أشبه بالصدمة ، جعلته يهلوس ويتحول إلى ما صار عليه .
لملم محمد أغراضه ، وانطلق صوب محطة القطار مع صباح اليوم التالي ، حيث نصحه الرجل ألا يغادر في الليل ، فتوقيت حلول الليل هو مرتع للجن ، وملاذهم للانتقام من بني البشر ، الذين قاتلوهم على تلك الأرض الملعونة ، بلعنة دمائهم .