لو أمعنا النظر في الحياة اليومية لكثير من الناس ، لأعمالهم وأفعالهم وردود أفعالهم ، فسنواجه حقيقة عجيبة ، نحن نرى ما يجب أن يحصل لا هو ما حاصل فعلاً ، رجل يعيش وحده مع أوهامه في حياته الاستثنائية ، وعلى الرغم من معاشرته للآخرين ، فإنك لا تجد أحدًا يخترق عالمه ، من خلال سلوكه يرفع جدران الوهم ويزيدها منعة .
ويقبع هو في القلعة بين آلاف الزوايا ، كل انسان يقطن في خبايا وزوايا القلعة التي يمكن أن تكون جدرانها ، من الزجاج أو من الحجر الصلب ، أحيانا تنهار الجدران بالموت ، وأحيانا أخرى تبقى مهملة .
غياب سعادة العقيد :
حينما لم يرى شيوخ الحي ، سعادة العقيد يأتي في الصباح الباكر إلى الحديقة لممارسة الرياضة الصباحية ، ظنوا أنه مستغرق في النوم ، ولما افتقدوه عند شراء الحليب من البقالة الموجودة في أول الشارع ، قالوا : لاشك أنه مريض !
وحينما كان هاتفه لا يرد ، وامتنع عن فتح باب البيت لهم ، قال جاره الملاصق لبيته لبقية الجيران : لابد أن بلاء قد نزل به ، يجب أن يصعد أحد من سطح البيت إلى الجانب الآخر ، لعله يحتاج إلى المساعدة .
قلعة العقيد :
كان الفناء الكبير لبيت العقيد ، مليء بأشجار الفواكه والأزهار ، وهناك سياج طويل يلف البيت مغطى بأنواع اللبلاب والنباتات الشوكية ، مما يجعل البيت يشبه القلعة ، كان العقيد وحيدًا ، وعلى الرغم من معرفته بأهالي الحي ، لكنه لم يكن يدعو أحد إلى بيته ، ولا يذهب هو إلى بيت أحد .
حكاية زواج العقيد :
كانت النسوة يرددن حكاية زوجة العقيد الشابة التي توفيت مع وليدها في أثناء الوضع ، وأعرض العقيد عن الزواج حدادًا عليها ، وتتناقلنها كأنها حقيقة مسلم بها ، الشابات كن يبتعدن عن طريقه ويلقين عليه التحية بصوت خفيض ، البعض منهن كن يتصورن أنه ينظر إليهن نظرات مريبة .
أما الرجال كانوا يعتقدون أن العقيد قد أصيب برصاصة ، في أثناء الانقلاب وأدّت إلى اصابته بعجز ، وهذا هو سبب عدم زواجه ، وكونه تربى في أحد دور الرعاية الاجتماعية ، فهو ليس له أقارب ، أما هو فإنه لم يتحدث إلى أحد عن حياته مطلقًا .
دخول القلعة :
اثنان من الرجال صعدا إلى سطح المنزل ، كان باب السطح مقفلاً ، صرخ أحد الشيوخ : اكسره ، اكسره يا سيد ، أشعة الشمس الصيفية كانت تحتضن الشارع بهدوء ، الانتظار والترقب المزمنان اللذان استمرا ثلاثة إلى أربعة عقودًا أفقدا الحاضرين صبرهم .
كان كبار السن يجلسون على المقاعد الخشبية المرتعشة ، ويستعملون المهفة لترطيب الأجواء ، والأكثر شبابًا كانوا يتبادلون أطراف الحديث ، ويستبدلون قدمًا بأخرى ، في أثناء الوقوف ، ومن أعلى السطح سمع صراخًا : انكسر القفل .. فتنفس الجميع الصعداء ، وصفق الأولاد ، كان نسيم لطيف يهب من السلالم ، نادى الرجلان : سعادة العقيد ، سعادة العقيد !!
القلعة من الداخل :
سمعا صوتا خافتا لحفيف أوراق الشجر ، نظر كل منهما للآخر ونزلا الدرج ، كان المكان يفوح برائحة النفايات والعفن ، وصلا إلى مدخل واسع ، نادى أحد الرجلين العقيد مرة أخرى ، كانت أمامهما بوابة زجاجية مرتفعة ، الغطاء الشبكي خلف الأبواب ، لم يكن يمنع مشاهدة الأثاث القديم والمرتب بداخل الغرفة ، كانت الستائر الثقيلة والغامقة تغطي النوافذ المطلة على الفناء ، وكان الباب مقفلاً .
أشار الرجل المسن إلى صورة معلقة على الحائط داخل إطار ، وقال : سعادة العقيد بلباس الشرطي ، ابتسم الرجل الشاب رافعًا كتفيه ، نزلا على الدرج ، اشتدت رائحة النفايات ، كان هناك صوت خافت من خلف الزجاج الملون للمدخل الرئيسي ينير الممر ، ألقى الرجل الشاب نظرة على المطبخ ، إبريق الماء وإبريق الشاي والطناجر كلها كانت نظيفة ، ولماعة ومرتبة في الوعاء الخاص بالصحون .
فتح الرجل الشباك ، المطل على الفناء الخلفي ، وقال : الرائحة من هنا ؟، أغلق باب المطبخ وسأل : حقًا من يرتب له منزله ، كل شيء مرتب ؟ أجاب : أحيانًا هو بنفسه ، وأحيانًا تقوم بيبي بذلك ، وبيبي هي خرساء عجوز تساعد أغلب نساء الحي ، في أعمالهن المنزلية .
صور على جدران القلعة :
دخلا إلى غرفة كبيرة تضم عدة كراسي مريحة ، وتلفزيونا قديما في صدر الغرفة ، كانت هناك ثلاث صور تشاهد على الجدار ، الصورة الكبرى تبين مجموعة من عناصر الشرطة ، تقف خلف رجل مكبل بالسلاسل ، أحد رجال الشرطة قد وضع قدمه على كتف الرجل المكبل ، كان حذاء الشرطي يلمع تحت نور الفلاش ، كان السيد كرامتي يقف في الصف الأخير ، على مسافة قصيرة من الشخص الأول ، كأنه تم تصويره بينما كان يمر مصادفة من ذلك المكان .
الصورة الصغيرة على اليمين كانت شهادة تقدير ، وإبلاغ الإحالة على التقاعد للشرطي كرامتي ، أما الصورة الأخيرة ، فكانت الجهة اليسرى ويظهر فيها وهو ينصب لوحة زقاق كرامتي ، على حائط بيته ، هزّ الرجل المسن رأسه وقال بصوت خافت وبشكل لاشعوري : وهذه من أفعال سعادة العقيد .
موت العقيد :
وكأنما انطلق إلى الفضاء زفير محبوس في الصدور ، الغرفة الخلفية منفصلة عن القسم الأمامي بواسطة باب يمتد بعرض الغرفة ، كانت الستائر معلقة وباب الغرفة نصف مفتوح ، ملأ صوت رنين جرس البيت وآثار الهلع لدى الرجلين ، قال الرجل المسن : افتح الباب الأفضل أن يكون معنا عدد آخر من الرجال .
ذهب الشاب إلى فناء البيت ، سمع صوت نعاله المصنوعة من البلاستيك ، وهو يجره على الأرض ، فتح الباب وقال عند مشاهدة الجموع : ليدخل بعض الكبار ، تدافع بعض الذين كانوا بالقرب من الباب نحو الداخل ، أحدهم سأل : ماذا جرى ؟ أجاب : لاشيء حتى الآن .
كانت النساء يتهامسن ، وكانت عيونهم تلمع ، قال الرجل المسن : لم أجرؤ على الدخول إلى غرفته وحدي ! أحد الشيوخ دفع الباب الموارب وقال : يا الله !! أزاح الستارة ، كان السيد كرامتي ممددًا تحت اللحاف وينظر إلى السقف بعينين مفتوحتين ، يتهامسون : أصيب بالسكتة القلبية ؟ قال أحد الرجال : يجب أن نخبر مخفر الشرطة .
جسد آخر :
الى جانب جسد العقيد ، كانت هناك كتلة تحت اللحاف ، تشبه جسما محدودبا أدر له ظهره ، ذهبت امرأة وهي تتلو سورة الفاتحة إلى الطرف الآخر من السرير وأزاحت اللحاف بحذر ، ارتفعت آهات الجميع ، دمية كبيرة بحجم جسم امرأة كانت تحت اللحاف ، شعرها الاصطناعي انحرف عن الرأس ، في اللحظات الأخيرة من هجوم الألم ، غرس الرجل أظافره في الشعر بحيث إن بعض الشعيرات ، مازال موجودا بين أصابعه الجافة ، كانت ملامح وجهه الدمية مرسومة ، كان خال أسود تحت الشفاه قد أصبح باهت اللون مع مرور الزمن .
دمية العقيد :
إحدى النساء سألت باستغراب : كيف وصلت تنورتي ، إلى جسم هذه الدمية ؟ لقد بحثت عنها في كل مكان ! أخذت النساء الدمية إلى الغرفة الأمامية ، تعرفت كل امرأة على قطعة من ملابسها المفقودة ، كان الجميع ينظر أحدهم إلى الآخر باستغراب ، وإلى الدمية القماشية المعبأة بالقطن بدهشة واستغراب .
وصول الشرطة للقلعة :
كان في الخارج صبي يصرخ بمرح وبهجة : تفاحاته غير ناضجة ولكنها قابلة للأكل !! ملأ صوت ضحك الأطفال فناء البيت ، أحد الرجال حاول أن يغمض عيني الشرطي كرامتي المفتوحتين .
فنجان برج الحوت اليوم مع قارئة الفنجان المتميزة لدينا. من خلال تحليل الرموز والإشارات في…
فنجان برج الدلو اليوم الاثنين 28/10/2024 اكتوبر تشرين الاول برج الدلو ماذا يقول فنجانك؟هناك مناسبة…
فنجان برج الجدي اليوم الاثنين 28/10/2024 اكتوبر تشرين الاول برج الجدي ماذا يقول فنجانك؟أنت على…
فنجان برج القوس اليوم مع قارئة الفنجان المتميزة لدينا. من خلال قراءة دقيقة للرموز والإشارات…
فنجان برج العقرب اليوم مع قارئة الفنجان المبدعة لدينا. من خلال تحليل الرموز والإشارات في…
فنجان برج الميزان اليوم مع قارئة الفنجان المميزة لدينا. من خلال تحليل دقيق للرموز والإشارات…