بعض العادات والتقاليد البالية قد تودي بنا إلى جحيم مقيم ، وهم وبالليل والنهار ، ومن الغريب ألا يدرك من يتمسكون بها أنها الأساس في كافة ما يمر بهم من أحداث سيئة ، ولا يُعلم الأمر تمامًا سوى بحادث مروع كمثل الذي حدث لبطلة قصتنا .
عادات غريبة :
تقول الراوية وهي فتاة في العقد الثاني من عمرها ، أعيش أنا وأسرتي في إحدى القرى النائية ، تلك القرى التي ما تزال تتمسك ببعض العادات الغريبة التي لا يقبلها عقل ، ولا كلن أن تجعل آبائك وأجدادك يقلعون عن عادة متوارثة لديهم ، لهو أمر لو تعلمون عظيم .
عقب تخرجي من الجامعة كانت لي صديقة مقربة تدعى سلوى ، فتاة خجول وهادئة ولها طباع صارمة أيضًا ، خُطبت سلوى من أحد شباب قريتنا ، وللحق كانت تحبه حبه جمًا ، ووافق الأهل على زواجهما بكل حب ، ولكن لم تكن موافقة الأهل فقط ، هي الشيء الوحيد المطلوب .
مرت الأيام سريعًا وتم تجهيز العروسين ، وحان موعد الزفاف ، وبالطبع هذا الأمر لا يمر لدينا هكذا مرور لكرام ، فلدينا عادات مختلفة عن كافة مخلوقات الكوكب وبحق ، كان هناك رجل في قريتنا يدعى الشيخ بركة ، كان أهل العروس في أي مكان من القرية يذهبون بابنتهم إليه من أجل التبرّك أو أخذ البركة كما يقولون .
يبدو الأمر جميلاً وبه شيء جيد ، ولكن الحقيقة قد تكون مختلفة ، ذهبت صديقتي ووالدتها إلى الشيخ بركة ، من أجل إنهاء إجراءات زواجها بالتبرّك مثلها مثل أي فتاة أخرى بالقرية ، فقام الشيخ وأخذها من يدها إلى غرفة جانبية ومنع والدتها أن تدخل إليها معهما!
الشيخ بركة :
قامت مع الفتاة ورأت في عينيه نظرة أرعبتها ، فقال لها لا تخافين سوف أكتب لك بضعة كلمات على ظهرك وأرجلك ، فهبت الفتاة واقفة وقالت له لن تفعل ، إذا أردت أن تكتب شيئًا فليكن على يداي ، انقلب وجه الشيخ فجأة غاضبًا وقال لها لابد من الكتابة على الظهر والأرجل ، ولكن الفتاة أصرت على موقفها ، ولما رأى منها الشيخ هذا قال لها حسنًا أنت من أردت ذلك .
وكتب الشيخ بضعة أحرف غير مفهومة على أظافرها ، ودعاها للخروج من منزله هي ووالدتها ، وودعهما فجأة بابتسامة خبيثة جدًا .
المس :
مرت الأيام المتبقية وتزوجت صديقتي ، ولكن مع أول خطوة خطتها داخل منزلها الذي أسسته مع شريكها ، بكل تفاصيله الصغيرة ، حتى شعرت بشيء يجثم على صدرها ، ساعدها زوجها وهدأ من روعها ، وأخبرها أنها فقط مقبلة على حياة جديدة وهذا أمر طبيعي .
ما لبثا أن دخلا غرفة نومهما ، حتى نظرت إليه زوجته بارتعاب وقالت له ، من هذا الذي يقف خلفك ؟ قال زوجها متلفتًا في حيرة لا أحد ! قالت له بعينين دامعتين لا أنا أراه بوضوح ، هناك شخص أسود وضخم الجثة يقف إلى جوارك مباشرة ، تلفت الزوج مرة أخرى وهرع يلف داخل لمنزل ولكنه لم يجد أحدًا ، وهي تر هذا الظل الأسود يسير خلفه أينما سار .
عاش الزوجان أيامًا مريرة ، بين أقوال البعض بأنها عين حسود ، والبعض الآخر يقول بأن العروس تدعي ما تراه وتخبره به ، ولكن الزوج المحب لم يتخل عن عروسه ، فانطلق يبحث عن حل ، حتى قابل شيخه في مسجد القرية ، وروى له ما يحدث من أمور غريبة لزوجته ، فأخبره الرجل بأن زوجته ممسوسة ولابد لها من رقية شرعية ، وبعض العلاج بالقرآن أيضًا .
ذهب الشيخ برفقة الزوج إلى المنزل ، وبالفعل بدأ يتلو بعض آيات القرآن ، ولكن بدلاً من أن تهدأ الزوجة اتسعت عيناها بشدة وظلت تصرخ ، وتقلب الأشياء بمنزلها رأسًا على عقب ولم تهدأ سوى بعد أن صمت الشيخ عن تلاوة القرآن .
أخبر الشيخ زوجها بأن الحالة هكذا تستدعي شخص يفهم في مثل تلك الأمور ، وأنه لا حيلة بها ، وللأسف استدعى أهلها الشيخ بركة فزاد الطين بلة ، ولم تهدأ حالتها بل ازدادت عما سبق .
انتقلت الفتاة إلى منزل أهلها لتظل برفقة شقيقاتها فترة ، كان زوجها خلال تلك الفترة قد سافر إلى مدينة قريبة ليجد حلاً لزوجته ، فقد دلّه البعض عن شيخ بالمدينة يقال أنه عليم بتلك الأمور ، ولا ننس قول الله عزوجل بأنه فوق كل ذي علم عليم ، فقد يعلم الرجل ببعض تلك الأمور مما يساعد الزوجة .
ظلت الفتاة بحالة جيدة نوعًا ما في منزل أهلها ، عقب سفر الزوج إلى خارج القرية ، ولكن بمجرد أن قام أحد أبناء شقيقاتها بتشغيل القرآن ، حتى صرخت بشدة واتسعت عيناها بطريقة مرعبة ، جعلت الجميع يخشونها ، ويطفئون القرآن الكريم فورًا حتى تهدأ .
عاد الزوج من المدينة برفقة الشيخ الجديد ، وما أن نظر إلى الزوجة حتى أخبر الجميع بأنها يبدو عليها ، أعراض مس واضحة ، ظل الشيخ يقرأ بعض الآيات ، حتى حدث ما أذهل الزوج ، فقد تحدث الشيخ إلى ما هو متلبس بالفتاة ، وأجابه بأنه يدعى الحارس وأنه ليس وحده على جسد الزوجة ، بل عددهم أحد عشر وأنه هو الأكبر من بينهم ، وأنهم لن يتركوها تتزوج قط .
طالب الشيخ الجان المتحدث بالخروج من جسد الزوجة ، حتى لا يضطر إلى حرقهم جميعًا فأبى أن يفعل ، فقام الشيخ بتلاوة بعض الآيات ، وظلت الزوجة ترتعد بشدة وفجأة خرجت دماء غزيرة من أصابع قدميها ، لفترة قصيرة ، وما أن استفاقت حتى أخبرهم الشيخ ، بأن هناك من ذهبت هي إليه وفعل هذا بها .
وبالتدقيق في الأحداث بعض الشيء منذ خطبتها ، أخبرهم الشيخ بأن بركة هذا الذي يزعم بأنه شيخًا ، هو ليس بشيخ ولابد من إلقاء القبض عليه ، فهو من تسبب لها بما حدث ، عندما حافظت على نفسها منه .
النهاية :
وشفيت صديقتي مما كانت تعاني منه ، عقب تلك الجلسة ولم يعد القرآن مؤذيًا لها ، وعقب مرور عدة أسابيع علمنا بوفاة الشيخ بركة هذا ، وأنه قد توفى بطريقة بشعة لا ندري ما هي ، ولكن تناثرت الأقاويل هنا وهناك ، بين أناس من قريتنا قتلوه وعذبوه إثر إصابة ابنتهم بمس عقب زيارته مثل صديقتي ، وأقوال أخرى تروي أنه قد انقلب عليه أحد الجان الذي قام بتحضيره فقتله ، ولكن بالنهاية انفرجت الغمة وشفيت صديقتي ، وعلمنا جميعًا أن العادات البالية ليست كلها صحيحة ، إذا ما أعملنا عقولنا برفق .