كانت السيدة مفيدة تبلغ من العمر الخامسة والأربعين ، وكانت تبدو مختلفة عن نساء البلدة ، حيث كانت ذات بنية جسمانية قوية ، وذات قامة عالية وهيئتها توحي بأنها رياضية ، بل ويرجح إنها متخصصة في رفع الاثقال ، أو في رياضة من تلك الرياضات التي تتطلب القوة العضلية ، مما كان البعض يدعونها المرأة العملاقة .

كانت عندما تمر السيدة مفيدة في شوارع البلدة ، كانت لا تبالي بتعليقات أهل البلدة أو نظراتهم لها ، والتي كان يعتريها الدهشة أو حتى الإعجاب أو السخرية ن ولم يكن يعلم الكثير من أهل البلدة ، أن السيدة مفيدة عملت لمدة 22 عام في إدارة السجون ، وعملت حارسة في السجن المدني ، للبلدة المجاورة ولعل مهنتها تلك هي التي ساهمت في تشكيل شخصيتها ، بل وتشكيل بنيتها الجسمانية .

مفيدة والتقاعد المبكر من العمل :
وكانت مفيدة تشعر أسفاً على حالها ، عندما تلتقي جيلها من النساء المتزوجات ، حيث لم تكن السيدة فريدة متزوجة بعد ، وقد طالبت مفيدة بالتقاعد المبكر من مهنتها ، وعادت تسكن في منزل والديها في البلدة وكان والديها قد فارقا الحياة  .

وكانت من حين لأخر تخرج لزيارة أبناء خالة لها ، يسكنون في أطراف البلدة فيما عدا ذلك كان تمضى مفيدة ،  أغلب وقتها في متابعة البرامج التليفزيونية ، ولكن ظلت تحرص أن تبدأ أيامها بتمارين رياضية ، وحرصت على اصطحاب بعض الآلات الرياضية إلى منزلها.

لم يكن أحد يعلم سر التقاعد المبكر التي حصلت عليه السيدة مفيدة ، حتى الذين سألوها من المقربين إليها ، لم يتمكنوا من الحصول على جواب قاطع منها ، ثم مع مرور الوقت خفي توهج الفضول لديهم ، واكتفي البعض بقول انه قرارها ولا يعني أحداً في شيء .

رسالة عبر البريد :
في صباح أحد الأيام استملت السيدة مفيدة ، رسالة عبر البريد وفور تسلمتها لاحظت عدم وجود اسماً أو عنواناً أو ختماً ، للجهة المرسل منها الرسالة ، ولم تكن تتوقع رسالة من أحد في ذلك الوقت .

أسرعت ودخلت إلى المنزل وفتحت الرسالة ، والتي كانت مكتوبة بخط واضح ، بقلم أزرق حيث ذكرتها أناقة الخط ونظافة الورقة ، بالأيام الدراسية وكان نص الرسالة كالتالي : أعلم أنك تسألين من أكون ، وأعلم أنك انقطعت عن عالمك يوم كنت سجانة ، في سجن البلدة وإذا كان زملائك وزميلاتك قد نسوك ، أو تناسوك فأنني لم أسناك ولن أنساك .

وهل تعلمين لماذا لن أنساك ، كما نسيك أصحابك القدامى ؟ ، أعلم انك في حيرة ولكن حيرتك ستزول ، عندما تعلمين من أكون ويوم اطلعك على الأمر ، الذي جعلني اكتب إليك هذه الرسالة ، ولقد قررت الكتابة إليك بعد أن تأكدت من محل سكناك ، وأيقنت أن رسالتي تلك ستصلك.

انتابت مفيدة حيرة ممزوجة بالتوتر والقلق ، حيال تلك الرسالة وشعرت ، بضرورة الوصول إلى صاحب تلك الرسالة ، ومنذ ذلك اليوم بدأت السيدة مفيدة ، يراودها الخوف حتى أثناء سيرها في الشارع ، وكانت تعلم جيداً أن مرورها ثير الفضول والانتباه ، ومرت الأيام دون أن يحدث أي شيء وخف قلقها ، ومالت إلى الاطمئنان وقالت في نفسها أن تلك الرسالة ، مجرد مزحة سخيفة من شخص ، قد تعرف عليها من قبل .

رسالة اخرى من البريد :
ولكن حبل اطمئنانها كان قصيراً ، فقد أتى رجل البريد لها برسالة أخرى ، وقبل أن تفتحها مضت بنظرها إلى ختم البريد ، كانت كسابقتها مختومة من نفس البلدة ، المرسل منها الرسالة الأولى .

فأسرعت وفتحت الرسالة ، وكان نص الرسالة كالتالي : أعلمي أنني انثى مثلك ، وأعلمي أنني أستطيع الوصول إليك ، في كل وقت أريده وأني قادرة على فعل ما لا يخطر لك على بال.

صارت مفيدة ترجح أن تلك الرسالة ، خاصة بسجينة سابقة وبدأت تستحضر ، وظيفتها عندما كانت سجانة في سجن البلدة ، وحاولت تذكر سجينة قد واجهتها أو تعاملت معها بصرامة وقساوة ، وظلت السيدة فريدة تصارع حيرتها بشأن تلك الرسائل .

زيارة إلى السجن :
قررت فريدة القيام بزيارة إلى السجن ، لعلها تعثر على أثر مكتوب ، يتيح لها مقارنته بالخط الذى كتب به الرسالة ، فاستيقظت في اليوم التالي وركبت سيارة أجرة جماعية ، في اتجاه السجن .

ركبت بجوارها سيدة تضع على وجهها لثاماً ، ولم تتبادل معها الحديث كان كل تفكيرها في الوصول إلى صاحبة الرسالة ، وعند وصول سيارة الأجرة في المحطة ، اقتربت منها امرأة لم تراها من قبل ، ونادتها باسمها فألتفت في خوف .

فقالت لها السيدة : نسيتني ، أليس كذلك ؟ وكان لباس تلك المرأة ، مثل لباس الملثمة التي كانت تجلس بجوارها ، في سيارة الاجرة ، فقالت لها : أنا من كتبت لك الرسالتين ، أنا ليلى كنت أمضي عقوبة بالسجن ثلاثة أعوام ، وحكم علي ظلماً بالسرقة ، وأنا من كنتي تمنعي عني الزيارات ولم أكن أفهم موقفك ، والآن أريد أن أفهم.

حاولت مفيدة أن تمسك بها ، لكن نبهتها أنها ليست وحيدة ، فألتفت مفيدة فرأت خلفها على بعد خطوات ، رجلاً يراقبها بنظرات حادة ، تركتها وأكملت مسيرتها لكن لم تنتبه  مفيدة ، لوجود بالوعة عميقة فى الشارع ، ووقعت في بالوعة كانت مفتوحة في الشارع وقبل أن تصل قاع البالوعة ، استيقظت فريدة على كابوس لن تنساه .

By Lars