في أحد المنازل الريفية البسيطة ، بين حقول القمح ، وأشجار الصنوبر ، نشأت الفتاة الحالمة غريس براون عام 1886م ، كانت غريس مولعة بالقصص الخيالية ، والأحلام الوردية ، وكانت تعشق حياة المدينة ، لذا انتقلت للعيش مع أختها المتزوجة في مدينة كورتلاند بولاية نيويورك ، وهناك عملت بمصنع للتنورات النسائية .

غريس فريسة الحب الحالم :
وحلمت كثيرا بالفارس الذي يحملها على حصانه الأبيض ، ويطير بها بعيدا فوق السماء ، ولكن لسوء حظها لم يكن هذا الفارس سوى رجل لعوب يدعى تشيستر جيليت ، كان مديرًا لمصنع عمه التي تعمل به غريس ، رآها فتاة جميلة ، حالمة ، يسهل خداعها ، فنسج شباكه نحوها ، وأوقع بها ، واستباح قلبها وجسدها ، حتى ظهرت عليها أمارات الحمل.

وحينها لم تكن المرأة الغربية تتمتع بنفس القدر من الحرية ، التي تتمتع به الآن ، فالحمل خارج علاقة الزواج كان من الأمور المكروهة ، ويعد عارًا آنذاك . لم تستطع غريس مواجهة أهلها وإخبارهم بما حدث ، وأخذت تلح على تشيستر في الزواج منها ، ولكن هذا لم يكن ضمن مخططاته ، فقد كان يعد نفسه للزواج من هاربينت بيندكيت ؛ الفتاة الثرية ، أما غريس فكانت للمتعة فقط لا أكثر .

وعود متبخرة بالزواج :
ومع ضغط غريس للزواج ، أخذ تشيستر زير النساء يفكر في طريقة للتخلص من هذا العبء الثقيل ، وأخبرها بالكذب أنه سيرتب أمور الزواج ، وبينما هي في زيارة لأسرتها بالمزرعة ، تسلمت رسائل من صديقاتها ، يخبرونها بلهو تشيستر ، ومواعدته للفتيات ، وأنه لا يرتب أمور الزواج كما وعدها .

فاستشاطت غضبًا وقطعت زيارتها ، وعادت حتى تجبره على الرضوخ لطلبها ، ولكنها طلب منها بعض الوقت ، وفكر في التخلص منها نهائيًا ، فاقترح عليها السفر برفقته إلى جبال اديرونداك في شمال نيويورك ، ليريحا أعصابهما ، كما لمح لها بإمكانية الزواج هناك .

فوافقت على مرافقته ، وحينما وصلا هناك ، نزلا في أحد الفنادق القريبة من البحيرة ، وفي عصر اليوم التالي استأجر تشيستر زورقا من رجل يدعى روبرت ماريسون ؛ لكي يصطحب غريس في نزهة ببحيرة بيغ مون .

خطة قتل غريس براون :
جدف تشيستر بالزورق لمنتصف البحيرة ، وغافل غريس بضربة على رأيها بواسطة مضرب التنس الذي جلبه معه ، ففقدت توازنها ، وسقطت بالماء ، وأخذت تستنجد به كي ينقذها من الغرق ، ولكنه ظل ينظر إليها بدم بارد ، وهي تصارع الموت ، وحينما تيقن من موتها عاد مسرعا إلى الفندق ، ولملم أشياءه وغادر .

ولكن يمكرون ، ويمكر الله ، والله خير الماكرين ، انكشفت جريمة تشيستر بعدها بساعات بسيطة ، حيث لفظت البحيرة جثة غريس ، وتعرف عليها صاحب القارب حينما ذهب يبحث عن قاربه ؛ فقد كان جثمانها راقدًا بالقرب منه ، وحينما علمت الشرطة ، وجهت أصابع الاتهام أمام تشيستر الذي أنكر معرفته بها في البداية ، لكنه سرعان ما انهار ، واعترف أمام إدلاء الشهود في التحقيقات .

ومع ثبوت نية العمد في الجريمة ، تم الحكم عليه بالإعدام هو الأخر ، ليلقي نفس مصير الفتاة التي أحبته ، ففي عام 1908م تم إعدامه بالكرسي الكهربائي ، ليكون عبرة لكل ذئب تخول له نفسه التخلص من جريمة بجريمة أبشع ، وقد ظلت قصة غريس في عقول الكثيرين ؛ حتى أنها ألهمت صناع السينما والروائيين ، فقد ظهرت رواية مأساة أمريكية ، والتي تحولت فيما بعد إلى فيلم عام 1931م ، لتجسد قصة حياة غريس .

شبح البحيرة :
لم تخلد القصة فقط في الروايات والأفلام السينمائية ، ولكن في أذهان رواد بحيرة بيغ مون أيضا ، فقد تعددت الحوادث التي قال أصحابها أنهم رأو شبح لفتاة حزينة على قارب بوسط البحيرة ، ألقى بنفسه في الماء ، وهناك من قال أنه رآها تمشي على الشاطئ في حزن ، وأكثر ما يميز شبح غريس براون هو إطفاءه للأنوار والمصابيح الكهربائية ، في الأماكن التي يظهر فيها.

حيث قالت امرأة تدعى ليندا ماكلين ، أنها كانت تقضي عطلتها برفقة أسرتها ، وشعرت برغبة في المشي ليلًا ، فخرجت ومعها المصباح ، لكنها لاحظت أن نوره يخفت كلما اقتربت من البحيرة ، حتى انطفأ تمامًا عندما وصلت لحافة المياه ، فخافت ، وأدارت ظهرها لتعود ، لكنها وجدت شبح غريس يقف أمامها ويحدق فيها ، ولكن ليندا قالت أنها في تلك اللحظة لم تشعر بالخوف ، بل بالحزن ، فقد شعرت أن الشبح حزين جدًا ، وتسرب ذلك الشعور إليها ؛ ليحل مكان الخوف .

وهكذا ظل الناس في هذا المكان يتناقلون القصص والروايات ، عن فتاة بحيرة بيغ مون الحزينة غريس براون ، التي خلدها الناس ، وجعلوها رمزًا للحزن .

By Lars