التنوخيون هم مجموعة من القبائل العربية التي تجمعت معًا من القحطانيين والعدنانيين وقد أقاموا في البداية في البحرين وأطلق عليهم التنوخ والتي تعني المقيميين، بعد ذلك توجهوا باتجاه العراق وجنوب سوريا والأردن الحالية في وقت ربما في في القرن الثاني قبل الميلادي وقد شاركوا في ازدهار مملكة الأنباط ،وعندما سقطت مملكة الأنباط تحالفت بعض القبائل النبطية مع روما.
وتشير المراجع الرومانية التي كتبها أن تلك القبائل شكلت انضمت مع روما تحت ما يعرف باسم فيوديراتي وهو تحالف مع روما بحيث تحصل تلك المناطق على امتيازات خاصة من الدولة الرومانية مقابل أن تمد روما بالدعم العسكري إذا طلبت منها ذلك.
ومن الملوك الذين حكموا التنوخيون الذين ذكرهم المؤرخون الرومان الملكة ماوية وبالرغم من أن ماوية لم تحظى بنفس القدر من الشهرة والكتابات التي تحدثت عنها مثل الملكة زنوبيا والتي كانت ملكة سورية وقادت ثورة أيضًا ضد الرومان في الفترة من 240 إلى 274 م تقريبًا.[1]
إلا أن عدد من الكتابات الرومانية الهامة في ذلك الوقت قد ذكرتها وكتبت عن ثورتها، ومن بين المؤرخون الذين ذكروا قصة ثورة ماوية روفينوس من أكويليا (345-411 م) الذي يقدم الرواية المعاصرة الوحيدة عن تمردها في كتابه التاريخ الكنسي الحادي عشر، أيضًا يروي سقراط سكولاستيكوس (380-439 م) نفس القصة في كتابه التاريخ الكنسي.
أيضًا سجل المؤرخ ثيودوريت من قورش (حوالي 393 – 458 م) تمرد ماوية في كتاب التاريخ الكنسي ويتبع روايته سوزومين (حوالي 400-450 م) الذي توسع في ذكر القصة في كتابه وقد ذكر الملكة في كتابه باسم مانيا. [2]
وعلى الرغم من الإشارة إليها باسم “ملكة سوريا”، إلا أن هذا التصنيف ليس دقيقًا، فماوية لم تحكم سوريا نفسها قط لكنها قادت تحالفا من القبائل العربية في تلك المنطقة وحاربت الدولة الرومانية وهزمتها وأملت شروطها عليها.
كانت ماوية في الأصل متزوجة من ملك تنوخي ويعتقد أن اسمه هو هواري ويعتقد أنه لم يكن ملكًا بالمعنى المعروف حيث لم يكن لقب ملك دائم الاستخدام لوصف الحكام في شبه الجزيرة العربية بل كان شيخ القبائل المتحالفة في هذا الوقت، وقد توترت العلاقة بينه وبين حلفائه من الرومان ولا أحد يعرف بالتحديد سبب بداية هذا الخلاف، لكن حسب المؤرخون اليونانيون كان الخلاف لأسباب دينية.
فالبرغم من أن البعض يرى أن تلك القبائل كانت وثنية لكنهم كانوا يتبركون بالأساقفة، إلا أن مصادر أخرى تذكر أنهم كانوا في هذا الوقت من المسيحيين الأرثوذكس ، ولكن في عام 364 م اعتلى العرش الإمبراطور فالنس وهو مسيحي أرياني.
وفي تلك الفترة كانت المسيحية قد حرفت وتمحور الخلاف العقائدي بين الآريوسية والأرثوذكس حول ما إذا كان المسيح عليه السلام موجودًا إلى جانب الله وبالتالي كان مساويًا له أو ما إذا كان قد ولد من قبل الله وبالتالي فهو تابع له، وكان هذا الخلاف سببًا في تمرد التنوخ على فالنس، وطلبوا منه أن يرسل أسقفًا أرثوذكسيًا لكنه أصر على أن يرسل لهم أسقف آرياني.
وبعد وفاة هواري زوج ماوية تولت قيادة تحالف القبائل التي كان يقودها زوجها وفي عام 378 للميلاد قادت ثورة هائلة ضد الإمبراطورية الرومانية، وقد يكون اختيار الأسقف هو أحد أسباب الثورة لكن هذا لم يذكر بشكل واضح من قبل المؤرخين، وقد يكون هناك أسباب أخرى للثورة.
عندما اندلعت ثورة الملكة مافيا ، اقتحمت الشرق الروماني، وكتب روفينوس من أكويليا ، وهو راهب من القرن الرابع عنها مايلي: “بدأت ماوية ، ملكة الساراكينوس (وهو الاسم الذي أطلقه الرومان على القبائل العربية) تهز البلدات والمدن الواقعة على حدود فلسطين والجزيرة العربية بهجمات شرسة”.
وقد قادت قواتها إلى مقاطعة فلسطين الرومانية حتى وصلوا إلى البحر الأبيض المتوسط، ثم واصلت طريقها حتى مصر وقد أثبتت أنها محاربة هائلة حيث أن تحركات جيشها كانت منظمة بشكل جيد.
وأضاف روفينوس أنها نهبت مقاطعات روما، ودمرتهم وأرهقت الجيش الروماني في معارك متكررة وقتلت الكثيرين بينما هرب الباقين من طريقها.
وحسب المؤرخون القدماء أيضًا فإن الرومان اعتبروا الأمر شاقًا وخطيرًا للغاية لدرجة أن قائد القوات الفينيقية طلب المساعدة من قائد سلاح الفرسان والمشاة في الشرق بأكمله، وقد سخر هذا الأخير من استدعائه لتلك الحرب وتعهد بخوض المعركة بمفرده.
وبناءً على ذلك ، هاجم مانيا التي قادت قواتها بنفسها لكنه لم يستطيع أن يصمد في مواجهتها وأنقذه قائد قوات فلسطين وفينيقيا بصعوبة.
وفي النهاية لم يجد الإمبراطور فالنس أمامه أي خيار واضطر إلى طلب السلام، وقد طالبت الملكة بتعيين أسقفًا أرثوذكسيًا وأصرت على أن يكون راهبًا ناسكا يدعى موسى ليكون الأسقف.
وقد وافق أريان فالنس على التنصيب وأصبح موسى أول أسقف عربي للعرب، وفي المقابل ، استأنف التنوخيون تحالفهم مع روما ، وانضموا إلى فالنس في حربه ضد القوط ، والتي انتهت بهزيمة الرومان في معركة أدرانوبل.
أيضًا فإن التحالف المتجدد لم يدم طويلاً وانتفض التنوخيون في ثورة أخرى في 383 وكان ذلك بمثابة نهاية للتحالف.
ومن غير المعروف من هو الملك أو القائد الذي قاد الثورة الثانية، أما بالنسبة لماوية فيعتقد أنها عاشت حتى عام 425 وتوفيت في بلدة خناصر شرقي حلب وقد وجد فيها نقش يشير إلى وفاتها في ذلك العام.