على الرغم من ارتفاع الدولار أمام العملة المصرية هذا العام بأكثر من 55%، لا يزال المراقبون ينظرون إلى الجنيه باعتباره ضعيف المرونة بالنسبة للسوق الذي يستعد لمزيد من الاضطراب في المستقبل، ويتساءل المستثمرون عما إذا كانت السلطات ستخفف قبضتها تماما إذا تعرضت لمزيد من الضغط.

من بين أقرانها الناميين، تعد مصر الاقتصاد الأكثر عرضة لأزمة العملة على مدار الإثني عشر شهرا المقبلة، وفقا لمصرف “نومورا” الذي تنبأ به عمليات البيع السابقة للعملة المصرية. أما مصرف “إتش إس بي سي”، الذي توقع سابقا استقرار الجنيه حول مستوى 24 للدولار، فيتوقع الآن مبدئيا تحركا نحو 26، بانخفاض نسبته 5.5% تقريبا عن المستويات الحالية.

ساهم إحجام المستثمرين الدوليين حتى الآن في ارتفاع حاد في عوائد أذون الخزانة المصرية، والتي وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ أوائل عام 2019 في المزادات الأخيرة، بحسب تقرير لوكالة “بلومبيرغ”.

وقال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في بنك “غولدمان ساكس” في لندن: “يوجد حاليا الكثير من الالتباس حول ما إذا كنا في نظام مرن حقا، ولم نختبر ما إذا كان الجنيه سيكون أكثر مرونة في مواجهة الصدمات الخارجية في المستقبل وسيكون بمثابة عامل استقرار تلقائي للحسابات الخارجية”.

حافظت مصر على استقرار سعر الصرف عند 15.70 جنيه تقريبا على مدى عامين، قبل أن تضطر في مارس/ آذار لرفع يدها عن العملة، ما أدى إلى انخفاضها بنحو 15% دفعة واحدة أعلى 18 جنيها.

ومع ذلك، انخفض الجنيه تدريجيا منذ ذلك الحين إلى 19.70 حتى أواخر الشهر الماضي، عندما قرر البنك المركزي بتبني “سعر صرف مرن” والذي أضاف أكثر من 3 جنيهات لسعر الصرف في يوم واحد. بلغ سعر الصرف اليوم الثلاثاء 24.55 جنيه للدولار، وسجل الجنيه هذا العام ثاني أسوأ أداء في العالم بعد السيدي الغاني.

النوبة الأخيرة من ضعف الدولار على مستوى العالم ساعدت في التخفيف من انخفاض الجنيه وقفزت عملات الأسواق الناشئة بنسبة 3% تقريبا في نوفمبر/ تشرين الثاني مع تراجع الدولار، وتراجعت التقلبات التاريخية لمدة أسبوع في الجنيه إلى المستويات التي شوهدت قبل الخفض الحاد الأخير لقيمة العملة.

توصلت مصر إلى اتفاق على مستوى الموظفين بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، والذي فضل سعر صرف أكثر مرونة كشرط للدعم المالي.

وبموجب الاتفاق، ستتلقى الدولة 5 مليارات دولار من الشركاء الدوليين، بالإضافة إلى مليار آخر من صندوق الاستدامة التابع لصندوق النقد، وهي حزمة يمكن أن تساعد البلاد على سد فجوات التمويل الخارجي.

من جهته، قال سايمون ويليامز، كبير الاقتصاديين في “إتش إس بي سي”: “بعد التحرك الأولي الحاد في وقت إبرام صفقة صندوق النقد الدولي، لم يتغير الجنيه المصري كثيرا مقابل الدولار، في وقت كانت فيه عملات الأسواق الناشئة الأخرى أكثر تقلبا”.

وأضاف ويليامز: “إذا استمر الوضع الراهن وكافح سوق العملات الأجنبية لتوضيحه، فإن احتمالية حدوث تحول هبوطي أعمق في قيمة الجنيه سترتفع”.

سجلت العملة المصرية أعلى نتيجة بين نظرائها الناشئين في مؤشر تحذير “نومورا” المبكر لأزمات سعر الصرف. مصر هي واحدة من أربع دول نامية “لم تبتعد بعد عن الخطر” حتى بعد أن شهدت عمليات بيعية للعملة، وفقا للبنك الذي يتخذ من طوكيو مقرا له.

وفقا لمحللين، فإن مصر في الوقت الحالي ستسمح “ببعض الانخفاض السريع في قيمة العملة” قبل الموافقة المتوقعة الشهر المقبل على قرض صندوق النقد الدولي. في غضون ذلك، يبدو أن تجار العملات الأجنبية مقتنعون بأن سعر الصرف سيكون 28 مقابل الدولار في هذا الوقت من العام المقبل، بحسب وكالة “رويترز”. وضع “نومورا” مصر على رأس قائمة البلدان المعرضة بشدة لخطر أزمة العملة.

يعتزم البنك المركزي بحلول نهاية ديسمبر/ كانون الأول، إلغاء شرط حصول المستوردين على خطابات اعتماد لشراء بعض السلع في الخارج. تحتاج البلاد أيضا إلى تصفية الطلبات المتراكمة – المقدرة بأكثر من 5 مليارات دولار – من المستوردين والشركات للوصول إلى العملة الصعبة، وهي خطوة أخرى يمكن أن تزيد الضغط على الجنيه.

وقال جوردون باورز، المحلل في شركة “كولومبيا ثريدنيدل” للاستثمارات: “يبدو أن السلطات تريد إدارة عملية المقاصة هذه، وبمجرد وصول الأعمال المتراكمة إلى مستويات يمكن إدارتها، يمكننا أن نرى المزيد من المرونة، ولكن حتى ذلك الحين، أعتقد أنه من السابق لأوانه التعرف على مدى مرونة نظام سعر الصرف الجديد حقا”.

أيضا قد يظل الجنيه تحت الضغط حتى يكون هناك المزيد من التدفقات الدولارية من الحلفاء الخليجيين الذين سارعوا إلى مساعدة مصر بتعهدات الودائع والاستثمارات، وفقا لما ذكرته كارلا سليم، الخبيرة الاقتصادية في بنك “ستاندرد تشارترد”.

مصدر

By Admin