قصة رائعة عن الزهد يحكى أنه كان هناك قائد مسلم نزيه يُدعى يزيد بن المهلب، اشتهر بقيادته الحكيمة في الفتوحات الإسلامية، وكان له مكانة رفيعة بين الناس، نتيجة لأخلاقه العالية وشجاعته في المعارك. وفي إحدى غزواته الناجحة، تمكن يزيد من جمع غنائم كثيرة، ومن بين تلك الغنائم، حصل على تاج نفيس لا مثيل له، مرصع بالجواهر النادرة ودقائق من الذهب الفاخر. كان التاج رمزًا للثروة والجمال، ولم يملك أحدٌ في ذلك الوقت ما يشبهه.
ذات يوم، وبينما كان يزيد يجلس مع جنوده وكبار القادة في جيشه، رفع التاج أمامهم وسألهم بنبرة متعجبة: “هل تعرفون أحدًا في هذا العالم يمكن أن يزهد في هذا التاج الثمين؟” تفاجأ الجميع من السؤال، فالتاج كان قطعة فريدة ونادرة، وأجابوا بصوت واحد: “يا قائدنا، لا نظن أن هناك من يستطيع أن يرفض مثل هذا الكنز النفيس، فمن يمكن أن يزهد في شيء كهذا؟” ابتسم يزيد وقال: “والله، إني أعرف رجلًا لو عُرض عليه هذا التاج، فإنه سيزهد فيه دون تردد.”
بدأ الحضور في التساؤل عن هذا الرجل الذي تحدث عنه يزيد، فمن يكون هذا الشخص الذي لا يغريه بريق الذهب وجمال الجواهر؟ دعا يزيد في تلك اللحظة محمد بن واسع، وهو أحد أبرز رجالات جيش المسلمين، عُرف عنه الزهد والتقوى والورع، وكان مجاهدًا في سبيل الله، معروفًا بزهده في الدنيا وما فيها من مغريات.
قصة رائعة عن الزهد
وبعدما دخل محمد بن واسع إلى المجلس، عرض عليه يزيد التاج قائلًا: “يا محمد، هذا التاج ملك لك، خذه فهو جائزتك.” ولكن محمد بن واسع، دون تردد، رفض العرض قائلاً: “يا قائد، لا حاجة لي في مثل هذا التاج، فإني أبتغي رضا الله ولا أريد من الدنيا شيئًا.” تعجب الجميع من موقف محمد، وأصر يزيد بن المهلب عليه قائلًا: “أقسمت عليك أن تأخذ التاج، إنه من نصيبك.”
أخذ محمد بن واسع التاج، ولكن كان من الواضح للجميع أنه لم يكن مبتهجًا به كما يتوقعون. غادر المجلس وهو يحمل التاج، وكلف يزيد أحد رجاله بتتبعه، لمعرفة ما سيفعله بالتاج بعد أن غادر. ظل الجندي يتبع محمد بن واسع حتى شاهده في طريقه يمر بجانب رجل فقير يبدو عليه البؤس والحاجة الشديدة، كان الفقير بالكاد يمتلك ما يكفيه من الملابس والطعام.
وقف محمد بن واسع أمام الرجل الفقير، ولم يتردد لحظة واحدة، أخرج التاج الفاخر الذي كان بيده ومدّه إلى الفقير قائلًا: “خذ هذا، إنه لك.” ثم انصرف دون أن يتطلع إلى الوراء، كأن الأمر لم يكن مهمًا بالنسبة له.
بمجرد أن علم يزيد بن المهلب بما فعله محمد بن واسع، تأثر تأثرًا بالغًا بزهد هذا الرجل وتقواه، وأرسل في الحال مزيدًا من الأموال إلى الفقير الذي حصل على التاج، واستعاد التاج من الرجل، لكن العبرة والموقف ظلا محفورين في ذهن يزيد وجميع من شهدوا القصة.
كانت تلك القصة درسًا للجميع في الزهد والابتعاد عن مغريات الدنيا، وتأكيدًا على أن العطاء الحقيقي ليس فيما نمتلكه، وإنما في كيف نستخدم ما نملكه لإسعاد الآخرين.