يتميز الشيج الجليل بدر المشاري ، بقصصه المؤثرة ، والممتعة ، وقد تعددت القصص التي يرويها لنا فضيلته ، نروي منها قصة مميزة ، ورائعة ، خلال السطور القادمة .
يروى أن سيدنا معاوية ، رضي الله عنه ، وأرضاه ، قد مكث خليفة للمسلمين ، لمدة عشرين عامًا متتالية ، إذ كانت فترة حكمه طويلة ، إذا ما قورنت بحكم غيره من الخلفاء أيامها ، بالإضافة إلى أنه ظل أميرًا ، طيلة عشرين عامًا آخر ، قبل ذلك ، وقد شاء الله ، أن يمرض في أواخر حياته ، بمرض خطير جدًا .
حيث تمثل مرضه ، في شعوره بالبرد الشديد ، وبالتالي ، كان يقوم على الفور ، بطلب غطاء ثقيل ، يقيه من البرودة المبالغ فيه ، فكانوا يحضرون الغطاء على الفور ، ويضعونه فوقه ، فيحتر جسده ، حرارة شديدة ، فيرفعون عنه الغطاء ، وبمجرد أن يرفعوه عنه ، ينتابه الشعور الشديد بالبرد ، فيحضرون الغطاء مرةً أخرى ، وهكذا ..
فلما رأى ذلك في نفسه ، أخذ يتعجب من حاله ، وأخذ يحدث الدنيا ، ويتعجب مما أحل له فيها ، إذ أنه قد قضى فترة إمارة ، لمدة عشرين عامًا ، وأصبح خليفة للمسلمين ، عشرين عامًا آخرين ، والآن جرى فيه ما جرى ، وهذا دليل أكيد ، على أن الإنسان ، مهما كان ملكه ، ومهما وصل في حياته ، فإنه يظل يكابد الدنيا ، فلا بد من أن يحدث له أنواع من المشكلات تارة ، والمصائب ، والأمراض تارة أخرى .
فالحياة محال أن تظل مستقرة كما هي ، ومحال أيضًا أن تسير بناءًا على الأهواء .
في حكم الخليفة الناصر أيضَا ، فإنه قد مكث في حكمه خمسين عامًا كاملة ، بالإضافة إلى ستة أشهر ، وثلاثة من الأيام ، وقد عمد الخليفة الناصر إلى كتابة كل ما يمر به ، طيلة حياته ، من كدر ، ومحن ، ويسجله ، حتى يعرف مقدار حزنه ، وراحته من الدنيا ، فكان يأتي عقب انتهاء كل يوم ، ويسجل نصيبه من يومه ، من البلاء ، أو السعادة .
ولما توفي الخليفة الناصر ، عمدوا إلى مذكراته ، حتى يرون ما قام بتسجيله ، فوجدوا أن جميع أيامه ، قد أصابه فيها الكدر والبلاء ، باستثناء 14 يوم فقط ، خلال أيام ملكه ، فهي الحياة ، لا يوجد بها عمر صافٍ بغير ابتلاء ، أو قدر ، يرفع الله بها قدر الإنسان ، إذا صبر ، ورضي بقضاء الله جل علاه .
فلا بد أن يرضى كل منا بنصيبه من الحياة ، وأن يتقبل ما يجرى في حياته ، بصدر رحب ، وأن يحمد ربه على السراء ، والضراء .