يقولون أن الصبر مفتاح الفرج وأن للصابرين منزلة في الدنيا والآخرة ، فحينما يقترن الصبر بالذكاء والسعي من أجل تخطي الأزمات تؤتي أعوام الصبر ثمارها ، لكن حينما يصبر الإنسان على السوء دون أن يحاول تغييره أو تغيير نفسه ، فقد يتحول الأمر إلى استسلام ورضوخ لمنطق الأقوى ، وهذا ما لا أحبذه وقصة اليوم خير مثال على اقتران الصبر بالذكاء والسعي فهي قصة لزوجة ابتلاها الله بزوجٍ يعشق النساء فماذا فعلت ؟
كانت أم عامر زوجة ذكية تكاد تمتلك مواصفات الزوجة الكاملة ، فهي جميلة الملامح حلوة القوام حسنة الدين والخلق ، ورغم كل ما بها من ميزات لم يكتفي زوجها ولم يقنع بما لديه ، فكان كلما اجتمع مع من تفوقها حسنًا وجمالًا انقلب كيانه وتملكه الغم والنكد ، وشعر أنه غير هانئ في حياته ، وأن هناك حياةً أخرى يستحقها مع امرأة جديدة يجدد معها شبابه .
ورغم تهديداته الدائمة بتركها والزواج من غيرها ، كان أبو عامر حينما يعود من عمله إلى المنزل يجد أم عامر في قمة زينتها ، تفوح منها رائحة العطر الأنثوي الجذاب وحينما يدخل كانت تستقبله بعبارات الحب والهيام ، فقد كانت تعلم جيدًا أن لن يصيبها إلا ما كتب الله لها ، وكانت تتضرع يوميًا إلى ربها أن يزيح الهم عن صدرها ويقربها من زوجها ، واعتادت كل ليلة أن تبث شكواها إلى الله فقط لا غير .
فكانت تدعي الله قائلة : ” اللهم يا ذاهب الهم ورازق الفرح فرح قلبي بما هو أهل له ، واخترني ولا تخيرني فأنا عبده ضعيفة ، اللهم يا رزاق ارزقني راحة البال وصلاح الأحوال ، ووفق بيني وبينه إن كان في عشرتنا خير ، اللهم يا مجيب الدعوات ومزيل العثرات أرح قلبي واغفر لي كل الزلات ” ، وقك كان أبو عامر رجلًا متذبذب لا يعرف ماذا يريد حقًا .
فكلما عزم على الزواج من أخرى كان ينشب بصدره صراعًا رهيبًا ، فيقول أريد الزواج من تلك المرأة لأنها جميلة ، ولكن ترد عليه نفسه قائلة : زوجتك أيضًا امرأة جميلة كما أن الجمال أمر نسبي ولا يوجد بالكون جمال مطلق ، فما من امرأة جميلة إلا وهناك أخرى أجمل منها ، ويتذكر أبو عامر حكمة قرأها ذات مرة تقول :” المرأة الجميلة دمية، والمرأة المتعلمة فاكهة ، أما المرأة الفاضلة فهي غذاء القلب والروح ”
فيعود إلى رشده لأنه يمتلك الثلاثة في امرأة واحدة ، وهكذا كلما تراود فكرة الزواج أبو عامر يقع فريسة لنفس الصراع ، وتظل فكرة الزواج بأخرى تراود أبا عامر ما بين مدّ وجزر ، إلى أن تقوم أم عامر بحكمتها بشغل زوجها وسلب عقله وحبه ، وبتلك الطريقة استطاعت أم عامر استلال هذه الفكرة من عقله بأخلاقها وصبرها وحسن معاملتها .
فيا ليت كل امرأة أوقعها حظها برجل مثل أبو عامر ، تدرك قيمة الصبر على الابتلاء وعظم أجره ، وأهمية الذكاء في إدارة الأمور حتى تظل بيوت المسلمين عامرةً بنسائها ولا تتفكك الأسر على إثر نزوة من الزوج أو تصرف غير محسوب من الزوجة .