الاهتمام بالروح البشرية ، وعدم تعريضها للخطر أو إنقاذها إذا ما حدّق بها الخطر ، هو واجب شرعي وإنساني بحت ، ولا يتعلق الإنقاذ بكون الضحية ، أو المتورط إنسانًا ، فإذا كان حيوانًا أيضًا ، استحق الدعم والإنقاذ ، وأن يتم ذلك بالوقت المناسب وبالكيفية الأفضل ، لهو أمر تُبنى عليه آلاف القصص الإنسانية ، وإنقاذ أطفال حُبسوا داخل كهف ، غمرته المياه هي قصة الساعة ، ولها تفاصيل مثيرة .
بداية القصة :
خرج أعضاء فريق كرة قدم تايلندي ، يعرف باسم وايلد بورز ، وهو مكون من مجموعة من الصبية تتراوح أعمارهم من أحد عشر ، وحتى ست عشر عامًا ، إلى جانب مدربهم الذي يبلغ من العمر خمس وعشرين عامًا ، وذلك من أجل الذهاب في حصة تدريبية ، ورحلة استكشافية لمجمع الكهوف الشهير المعروف باسم تام لوانج ، وهو كهف ضخم يقع إلى جوار الغابات ، التي تقع على حدود تايلاند مع ميانمار .
ما حدث هو أن الأطفال والمدرب ، سقط عليهم الأمطار في المنطقة أثناء تواجدهم داخل الكهف ، ومع شدة هطول المياه تمت محاصرتهم بالمياه ، داخل واحد من الكهوف .
مر يومين عثر خلالهما أحد الحراس بالمنطقة ، على أحذية بعض الأطفال وأغراضهم ، وبعض الدراجات التي كانوا يقودونها أثناء رحلتهم ، وذلك عند مصب الكهوف تحديدًا ، وبالطبع مع عدم العثور على أثر للأطفال ، أدرك الرجل أن هناك كارثة كبرى قد حدثت ، وقد يكون الأطفال بالداخل محاصرون بالمياه من كل مكان ، وهذا ما حدث بالفعل حيث ظل الأطفال داخل الكهف ، لحوالي عشرة أيام متصلة ، وفي انقطاع تام عن العالم الخارجي .
العثور على الأطفال المفقودة :
تم مهاتفة السلطات التايلاندية والجهات المسئولة ، وتحرك المسئولون على الفور لإنقاذ الصبية ، وبذل الجهد للعثور عليهم ، وتطوع العشرات ممن يجيدون الغطس ، وكادت الجهود أن تبوء بالفشل ، ولكن عقب مرور 10 أيام من وقوع الكارثة ، استطاع أحد الغطاسين أن يجد المدرب والأطفال ، والذين كانوا يحتمون فوق صخرة ، عالية نسبيًا عن المياه ، وفي هذا الوقت قام الغطاس بتصويرهم لطمأنة ذويهم ، حيث كان الجميع بصحة جيدة ، عدا تعرضهم للجوع طيلة تلك الفترة ، فظهروا في حالة من الهزال بعض الشيء فقط .
مراحل الخطر :
لم تكن عملية الإنقاذ بالأمر الهين ، فالأطفال كانوا محاصرون في جزء عميق داخل أحد الكهوف ، وكان على الغطاس أن يقضي ما بين عشر ساعات ، ذهابًا وإيابًا ، حتى يستطيع نقل الأطفال من الداخل إلى الخارج ، حيث بلغت المسافة حوالي أربع كيلو مترات ، كان الكيلو متر الأول منها ، شديد الوعورة ، وبه الكثير من الممرات الضيقة ، فواجهتهم مشكلة أن كميات الأكسجين لن تكفي ، وأن الأطفال لا يجيدون السباحة أيضًا .
أما المعضلة الثانية ، فكانت في كيفية إخراج المياه من الكهف ، فعملية إخراجها لن تكون بالأمر الهين ، وسوف تحتاج إلى أسابيع وشهور ، للتفريغ ومضخات عالية القدرات .
أما الإشكالية الكبرى في عملية الإنقاذ ، كانت في موسم الأمطار الغزيرة الذي سوف يضرب المنطقة ، عقب أسبوع من بدء عمليات الإنقاذ ، وبالتالي سوف تذهب جهود المنقذين سدى .
بدء عملية الإنقاذ:
بدأت عمليات الإنقاذ مع تحسن الطقس ، فتم الدفع بعشر غواصين إلى الداخل ، ذهبوا للأطفال ، وتمكنوا من البدء بأربع أطفال منهم ، ممن يتمتعون بصحة جيدة ، ووفروا لهم اسطوانات الأكسجين المطلوبة ، وعلموهم كيف يقوموا بالسباحة سريعًا ، وكيفية الغوص .
ومع تواجدهم في الممرات الضيقة ، كان يتم تمرير اسطوانات الأكسجين ، ثم يزحف الغواصون برفقة الأطفال ، حتى يخرجوا من الممر .
وعقب خروج الأطفال من الكهف ، تم نقلهم إلى المشفى سريعًا لتلقي العلاج اللازم ، على ألا يراهم ذويهم ، حتى لا يبدأ أهالي الأطفال الباقون ، في القلق عليهم لتأخر خروجهم ، كما تم العناية بالأطفال حيث ابتعدوا عن الشمس لفترة طويلة ، وبالتالي كان يجب الحفاظ على أعينهم ، وسعت السلطات لعدم تسريب أية صور للأطفال بالفعل .
بعد ذلك تم إخراج طفل خامس ، بنفس الكيفية الأولى ، وتوالت المحاولات للإنقاذ ، حتى لم يبق سوى المدرب فقط ، وأربع أطفال آخرين ، وكان الجميع بصحة جيدة ، وتمكن الغواصون من كسب الوقت ، واختصار ساعتين كاملتين في عملية الإنقاذ .
حالة وفاة :
استمر الغواصون في محاولاتهم اليومية ، لمد يد العون للأطفال المحبوسون بالداخل ، وذلك بالتزامن مع عمليات شفط المياه ، لتسهيل عملية الإنقاذ ، إلا أن المياه كانت تنقص بمقدار سم واحد كل يوم ، مما يضيع الجهود المبذولة هباء .
قام الغواصون كذلك بإيصال ، كميات قليلة من الطعام سهلة الهضم ، حتى لا يتعرضون لمخاطر صحية ، أثناء عمليات الإنقاذ ، خاصة مع عدم تلقيهم الرعاية الصحية الكافية ، خلال تواجدهم داخل الكهف .
لم تشهد عملية الإنقاذ ، سوى حالة وفاة واحدة ، راح ضحيتها ضابط متقاعد ، من رجال الضفادع البشرية ، كان قد فقد وعيه ، أثناء نقله معدات الأكسجين إلى الأطفال العالقين ، وتم تشييع جثمانه في جنازة مهيبة ، وفي النهاية أعلنت السلطات ، إنقاذ كافة المتواجدين داخل الكهف ، المدرب والاثني عشر صبيًا ، دون تعرضهم لأية إصابات أو فقدان أحدهم .