حدق بي مليًا ، وحاول أن يبدو لطيفًا ، أجلسني بجواره ، وناولني ورقة من رزمة الأوراق ، المحشورة في مقلمته ، وبتودد همس : اكتب ، قلت : ماذا أكتب ؟ قال : اكتب حالتك النفسية !
حالتك النفسية :
تناولت الورقة ، وخططت خطًا عريضًا : قرفان .. اندلقت من شفتيه ابتسامة مرتوية ، ورفع غرتيه بيده اليمنى : كلنا ذلك الشخص ، اكتب كلمة أخرى ، وناولني ورقة جديدة ، فأمسكتها وتمهلت ، فتدخل : اكتب ولا تحاول البحث عن كلمة معينة ، اكتب ما يخطر ببالك مباشرة ، .. اكتب .
الحياة نكتة :
أخذت الورقة و كتبت على الفور : نكتة .. قال : جميل اكتبها الآن ، أجبت : أقصد أن الحياة نكتة ، أبدى تذمره : لا أريد أن تبعدنا عما جئت من أجله ، لم آت برغبتي حتى تقول ما جئت من أجله ، وما هو ذاك الذي جئت من من أجله ؟ أنت تجيب فقط .
ورقة أخرى وحالة أخرى:
ناولني ورقة أخرى : قلت نكتة ، أكتب أقرب نكتة تخطر ببالك ، لماذا لا ألقيها على مسامعك وكفى ، رد بحزم : قلت أكتب أمسكت بالقلم وكتبت : في أحد العروض العسكرية اصطف كبار الضباط للسلام على رئيس الجمهورية .
وبينما هو يتفحصهم كان بمعيته قائد كبير يقدم له كبار الضباط المستقبلين له بينما كان الرئيس مركزًا نظراته على رتب الضباط ، ليصافح كل واحد وفق رتبته ، فكان القائد الذي بمعيته يقول له : قائد مشاة ، قائد مظلات ، قائد كتيبة ، قائد طيران .
قائد التصويبات العشوائية :
فجأة لمح الرئيس قائدًا أحول ، معلقًا عددًا كبيرًا من النياشين وكانت نياشينه تفوق جميع زملائه فاستفسر الرئيس بتعجب عن صاحب هذه النياشين ، قائلاً : قائد أحول وكل هذه النياشين على ماذا ؟ فأجاب القائد المصاحب له على الفور : إنه قائد التصويبات العشوائية سيدي! قال الرئيس متذكراً : آآآآآآه.
فلسفة ودسائس :
لم يجد استجابة لقهقهاتي ، فنبضت فجأة بينما حدق في ملامحي بعمق : من يمتلك هذه الروح يجب أن يكون سعيدً؟ إذا ما الذي يضايقك ؟ ، الوجود ، لا نريد فلسفة ..قالها بحزم ، هذه ليست فلسفة ، لو فكر أحدنا قليلاً لما احتجنا إلى كل هذا الكم من الدسائس ، أي دسائس تقصد ؟ ألا ترى أننا نأكل بعضنا البعض ؟ .
قال : حدد ؟ .. قلت : أنت مثلاً تضيق الخناق عليّ من أجل أن تثبت شيئًا ما لا أعرفه ، وفي كل مكان ثمة شخص يحفر لأخيه ، بينما الحياة أقصر من أن نقضيها في الدفن المتبادل ، قال : لقد انحرفت كثيرًا عما نحن فيه ، ثم استطرد : اكتب كلمة أخرى .
تبًا لكل شيء :
دفع بورقة جديدة وهو يوصي : كما اتفقنا ، اكتب من غير أن تفكر ، كانت الورقة بيضاء ، أمسكتها برفق وكتبت : تبًا ، اندهش ورفع حاجبيه وترك ملامحه تتعكر كما يحلو له ، وقفز قائلاً : تبًا لمن ؟ أجاب : للحياة برمتها ، فليس هناك جدوى من أي شيء لذلك تبًا في كل شيء ، قال : كل شيء ..كل شيء ؟ ، نعم كل شيء .. كل شيء ، أجاب المعالج : حسنًا .
كتابة التقرير :
وانكب على كتابة تقريره ، وعندما انتهى أدخله في ظرف ناصع البياض ، وناوله للعسكري الذي كان يرافقني ، وأوصاه أن ينتبه لي في الطريق ، وبهمة مبالغ فيها أعاد العسكري إليّ قيودي ، وعبرنا ممرًا طويلا ، قبل أن تلفحنا أشعة الشمس الحارقة .
مصحة الأمراض النفسية :
وأمام الضابط وقفت حائرًا وتجرأت وسألته : ما الذي فعلته لكي أقاد كالمجرمين ؟ ، نظر إليّ باستخفاف وأردف : ستعرف بعد قليل ، وفي لحظات وجدت نفسي أركب في سيارة لتنطلق بي بسرعة قصوى ، مضت عشر دقائق وهي تنهب الأرض نهبًا ، نصف ساعة ، ساعة ، وبدأ الدوار يتملكني وظللت لنص ساعة أخرى أغالب التقيؤ بكل الوسائل ، وعندما توقفت السيارة ، وجدت نفسي أدلف من بوابة كبيرة ، كتب عليها بخط عريض : مصحة الأمراض النفسية .