في قلب كل شتاء ربيع نابض .. ووراء كل ليلة فجر باسم قالها جبران خليل جبران ، يقتلنا الطموح أحيانًا ، قالت عبارتها التي بدت مقتنعة بها جدًا ، وهي تتأمل ملامح وجهها في مرآتها المشطورة نصفين !
تركت مكانها ، وأجزاء المرايا تفصل تقاسيم وجهها ، خطت بهدوء إلى حيث سريرها ، ودون أن تقوم بما تفعله كل ليلة قراءة آية الكرسي ونفض لأغطية ، وعلى غير العادة ، انسلت تحت الأغطية دون أية مقدمات ، ومازال شكل البؤس يعلو ملامحها ، وصورة انشطار ملامحها قد طبعت في مخيلتها .
صراخ الأمنيات :
فكت الشريط الذي يمسك خصلات شعرها الفحمي الطويل ، خبأت الشريط تحت طيات الفراش ، سلمت رأسها المليء بالأفكار للوسادة ، وظلت حبيسة صمتها المبطن بنحيب أحلام يضج مخيلتها ، وصراخ أمنيات يعبئ قلبها ، فانفعلت أكثر ، وزادت تعابير وجهها تبيانا للبؤس الذي يرسمها تلك الليلة .
تساؤلات وأفكار :
أعادت جملتها الأولى بنبرة واضحة الصوت ، مع يقين أكبر ، قائلة : الطموح يقتلنا دائمًا ، فإذا بلفظ الديمومة يرتطم بطبلتها السمعية ، ولبرهة توقف كل ما كان يدور في داخلها من انفعالات ، فكلمة دائمًا ، خلقت في فكرها تساؤلاً عن مدى انزعاجها ، وعن جرأتها لطرح هذه التهمة ، فجاءت المخيلة ببعض أسئلة تركض مسرعة إليها ، كيف ، كيف يا ذكية ؟ احترمنا انزعاجك من الواقع في بعض الأحيان ؟ أما أن يكون الطموح قاتلاً ودومًا هذا ما لا يرضى منك أنت !
الجدار :
حركت خصلة من شعرها ، الذي تشعره حزينًا معها ، المرتمي على الوسادة المرهقة بأمنيات وأحلام بعيدة ، ولم تكتف بذلك لتوضح ضجرها لأفكارها ، فعدلت جسدها الملقى على السرير ينتظر هدوء النوم ، يدب فيه ، أيقظت وسادتها التي غفت للحظة ، وجعلتها مصفوفة إلى حافة السرير القريبة منها ، وساقاها ممدودتان ، ومازالتا تنعمان بدفء الأغطية ، تأملت الجدار الذي أمام نظرها ، ركزت فيه كثيرًا محاولة أن تجد ، ما تقنع به بنات أفكارها أن طموحهن قد قتلها ، فهلا كففن عن النظر للعلا ؟
نوبة انزعاج :
حركت يدها عبثًا وكأنها تصفع الهواء المحيط بها ، شعرت بالبرد يدب في أكتافها ، بحركة خفيفة سحبت شعرها النائم لتسدله على كتفيها ، وجدته يرتجف بردًا ، حاولت البحث عن شريطها الأبيض حيثما وضعته ، بين طيات الأغطية لم تجده ، عاودتها نوبة انزعاج ، فحضنت أطرافها الممدودة ، وجلست القرفصاء ، طاوية أطرافها إلى بعضها ، وعاودت التأمل إلى ذاك الجدار !
محكمة الفكر :
كل تلك التحركات والمحاولات ، كانت غير قادرة على أن تهرب الأفكار إلى الخزائن البعيدة ، كما كانت تفعل دائمًا ، إذ باتت اليوم قريبة ، وماثلة أمام عينيها ، وفي مخيلتها وكأنها تحاسبها على قولها ، ظلت ماثلة أمام محكمة الفكر لوقت طويل ، والأفكار تتوارد إليها بصخب كبير ، وهي تصرخ في سرها بوجه الليل ، أن كيف تصل إلى أن تحقق حلم ولد مع أول صرخة لها في الحياة ، وكبر بين فرحة الأهل بأنه حلم فتاتهم .
دفء وأفكار تنبعث في الرأس :
حزن الليل عليها ، لكنه ملّ أيضًا من تساؤلاتها ولام أفكارها سائلًا : متى أجدك تقومين لحظات ضعف هذه المسكينة ، فجأة شعرت بأنها دافئة ، لا برد يقرص بأطرافها ، ولا أكتافها ، ولأنها قد طوت أطرافها الربعة ، لم تعد تشعر بها ، وكأنها بلا قدمين ! بلا يدين ! لم تتحسس بوجود نفسها في مكانها ، لم تشعر سوى بحرارة تنبعث من جدل الأفكار المكتظ في رأسها .
ثورة القلم:
بصعوبة بالغة حركت يدها اليمنى ، لتتلمس أنفها ، شعرت بوجوده وهو يكاد يختنق بردًا ، همست بصوت متعرج بالكاد يعبر حبالها الصوتية المتجمدة : أظني على قيد الحياة !!.. كان لابد لليل من أن ينهي هذا الصراع الطويل بين ذاتها الطموحة ، وروح واقعها اليائسة ، فحمل سلة لآلئه ومضى يسير مبتعدًا ، ليصل الفجر بحقائبه المعبئة بنهار جديد .. استغلت فكرة يافعة من بركان صراع الفتاة مجيء الفجر ، فخرجت بسرعة لترسم نفسها على الجدار ، علّ صاحبتها تؤمن ببراكين فكرها ، وثورة القلم .
أنا على قيد الحياة :
صدها الجدار الأمامي بقوة ، فعادت كشهب ساطعة ، وارتبطت بأنف الفتاة ! فزعت وربما تألمت ، أمسكت أنفها بقوة ، ونهضت من جلستها مسرعة إلى منضدة صغيرة ، قابعة في زاوية الغرفة ، أمسكت قلمًا ، وقالت بيد ثابتة : أنا على قيد الحياة .