يبدو أن الماليزي يستطيع أن يدخل سنغافورة بالدراجة الناريه يوميًا حيث يكفيه مجرد عبور الجسر ما بين البلدين ، ليجد نفسه في نصف ساعة أو أقل في سنغافورة ، ليلتحق بعمله بعد ذلك ، في المصنع أو الشركة التي يعمل بها ، ثم يرجع بدراجته النارية في آخر النهار لبيته في ماليزيا .

رؤية المشهد :
وهذا ما بدا لي عندما شاهدت ذلك الطوفان الهادر من الدراجات النارية ، بعد انتهاء وقت العمل بعد المغرب ، وهم يندفعون بأصواتهم العالية في أحد الشوارع ، نحو الجسر الذي يفصل بين البلدين ، وتستطيع أن تقول أنه لا يوجد بيت في مناطق ماليزيا المتاخمة لسنغافورة ، إلا ويوجد به شخص يعمل في سنغافورة ، وهكذا يتعامل الأصدقاء السنغافوريون والماليزيون سوياً .

العامل وأنا :
نظر العامل إليّ بنظرة غريبة لم أعهدها من قبل ، بعينيه الضيقتين ووجهه المنغولي الطابع ، ثم اقترب مني حتى بدأت أشعر بالقلق ، فقد ظننت أنه أحد أحفاد جنكيز خان ، وأنه حتماً قد أتى أليّ يريد الانتقام لجده هولاكو ، بعدما انكسرت جيوشه التي اجتاحت العالم أمام الجيش المصري بقيادة الملك المظفر سيف الدين قطز ، في معركة عين جالوت ، إلا أنني هدأت قليلاً ، ليس لأنني لست من أحفاد قطز طبعاً ، ولكن لأن الرجل بدا ودودا بصورة واضحة ، عندما علم أنني مسلم .

نعم مصري :
سألني الرجل ، الذي عرفت أنه ماليزي مسلم ويعمل في حوض إصلاح السفن بترسانة كيبيل ، عن جنسيتي بعد أن خمن أنني عربي ، فقلت له بأنني مصري ، فانفرجت أساريره بصورة واضحة ، فقلت : الحمد لله ، فيبدو أن أحفاد جنكيزخان وهولاكو وتيمور لنك قد نسوا ثأرهم القديم من الجيش المصري ، الذي كان حامي حمى المشرق العربي قديما من الصليبيين والمغول وما يستجد من أعداء .

قال لي الرجل : إيجيبت ، سادات ، ناصر ، فقلت له بكل فخر : yes ، ثم قلت في نفسي : يبدو أن التاريخ في مصر قد توقف برحيل الرئيس السادات ، خصوصاً أن الرجل لم يعرف رئيساً بعده ، ولكن على كل حال قال لي الرجل : رمضان مبارك ، على الرغم من أننا لم نكن في شهر رمضان ، فقلت الحمد لله أنه يعرف أي مبارك في مصر والسلام ، حتى لو كان الشهر الكريم المبارك !!

موقع الكعبة المشرفه :
وسألنني الرجل هل زرت الكعبة المشرفة ومكة المكرمة ؟ فقلت له : مع الأسف أنا لم أزر مكة المكرمة من قبل ، فقال لي : هل هي بعيدة عن منزلك ؟ ، فقلت له : هي بعيدة جداً عن منزلي بالطبع ، فقال لي : كم من الوقت يستغرق وصولك إليها ؟ ، قلت له : بالطائرة ساعتين وبالسفينة يومين ، فتعجب وقال لي : ألا يمكن أن تذهب هناك بالأتوبيس ؟ ، قلت له : يمكن : ولكن يأخذ هذا وقت أطول ، فقال لي : يبدو أن بلدكم كبيرة جداً .

وقد كان الرجل يظن أن الكعبة المشرفة ومكة المكرمة وأرض الحجاز كلها مازالت تتبع مصر ، فقلت له : كان ذلك في الماضي ، ولكن الآن هي بلد آخر مستقل بذاته ، ويجب أن نحصل على تأشيرة دخول له ، لأداء فريضتي الحج والعمرة .

حزن الرجل الماليزي :
لمحت في عيني الرجل البسيط نظرة حزن ، وهو يقول لي : لقد كنت أجمع المال حتى أقوم بزيارة مصر وأزور الجامع الأزهر ، الذي تخرج فيه الشيخ الذي تعلمت على يديه في ماليزيا ، ثم أقوم بالحج بعد ذلك للكعبة المشرفة .

ولكن سيراً على الأقدام ، وكان هذا أقصى ما أحلم به ، فقلت له : عسى الله أن يحقق لك أملك في الحج لبيته الحرام ، وأنا شخصياً أضمن لك زيارة مصر ورؤية الجامع الأزهر ، فيكفيك أن تأتي لمطار القاهرة ، لتحصل على تأشيرة الدخول !! ، أما دخول المملكة وزيارة مكة والمدينة فأمر يتطلب منك معرفة إجراءات التقدم للحصول على تلك التأشيرة .

علامات استفهام :
كان رجلاً بسيطا لأقصى حد ، ويبدو أن انتقاله بين ماليزيا وسنغافورة يومياً ، قد جعله لا يعترف بالحدود وتأشيرات الدخول بين البلدان ، وانصرف الرجل ليركب دراجته النارية ، عائداً لبيته في ماليزيا ، وقد بددت علامات الاحباط على وجهه ، لكنه ودون أن يدري قد رسم علامات الاستفهام كذلك على وجهي !!

By Lars