أريد أن أتزوجك يا ناصر ، ما رددته في عمقي مرات ، ما سأردده ، طالما أنا واحده من الطابور إياه ، أو طالما أنا من المستضعفين المعرضين لكل أنواع المذلة ، وطالما أنا متخرجة ، جديدة أو قديمة ، بدبلوم فلا يحسن الاشفاق عليّ ، ككل الدبلومات اللقيطة التي لا شرعية لها في مكاتب التشغيل .

انهزامات :
مع كل احترامي لرجولتك ، مع كل بعدي عن أية نيات لإحراجك ، مع كل انهزاماتي أمام البوابات الخارجية لمؤسسات الوطن ، مع كل انهياراتي تلك ، عبر سخافة واقع لم أتوقعه ، فائق السخرية والاستهزاء من مجموع سنوات العمر الدراسية التي أفنيتها ساهرة لتحصيل العلم والأحلام معاً .

رجاء :
مع كل تراجعاتي عن طموحاتي الأنثوية النائمة في شرانق الحسرة ، مع كل ما جد في هذا الوطن من متطلبات ومطبات للحياة ، أترجاك كحُرة لا تحسن التوسل ، متوجهة  إليك بخطابي مني إليك ، فهي بحر هذا الفؤاد الهائج.

أريد أن تستثمر ما أملكه من مؤهلات لم تتقبلها مني المكاتب والبنايات والشوارع ، أريدك أن تجعل لي محطة ما ينتهي فيها سباقي في دائرة انتظار اللاشيء ، أود كما لم تكن لي ظلاماً وهمياً يحجبني عن نفسي ، أو يحجبني عن الآخرين ، أريد أن أحقق أدنى ما حققته والدتي بين أربعة جدران خلال ثلاث وستين سنة ، هذا الأدنى الذي لم يعد بمقدوري أن أجد سبيلاً لتحقيقه ، فهل يمكن أن يكون الزمان قد صار سفاحاً لكل الأمنيات بهذه الفظاعة؟

الحلم:
أريد أن أتزوجك يا ناصر ، وأعلق شهادة نجاحي المؤقتة ، التي خرجت بها من جامعة هرمة أعياها الخرف وتستر عجزها بخرق مؤقتة ، فوق جبيني لتمتصها ألام الفواجع المتكررة ، أريد أن أمنحك هذا الجسد ، هذا البناء المهجور إلا من صور أهله ، ليكن لك علّك تكتشف فيه لذة ما مدفونة ، تهزها ، تحركها ، ترفع حرارتها ، لتغمسين مجدداً في رحم أمي ، لأولد وفي رحمي طفل منك يجدد رغبتي في الحياة .

يا لآخر أحلامي الفجائية ، طفل منك ، أسكب له الحب كما كانت تفعل والدتي لنا ، نحن أبناؤها التسعة ، كما كانت تفعل باختصار مدهش ، كنا أمنياتها الصغيرة ، ولم نكن مهرباً لسد الفراغات التي صنعتها عقبات العصر.

زوج ، بيت ، وأطفال آخر ما تبقى في رصيدي من مرحلة صراع ، أنا زينب بن عبد الباسط ، الأولى في دفعتي على مدى خمس سنوات من الدراسة الجامعية وثلاث سنوات من التخرج والإدمان على كتابة طلبات العمل ، التي تحمل أسمى عبارات التقدير والاحترام لسادة لا يحسنون فك الخط جيداً ، والمرفقة بنسخ طبق الأصل لشهادة نجاحي المؤقتة وكشف النقاط بتفوق ، نجاحي ، تفوقي أسمى عبارات التقدير والاحترام ، الكل في سلة المهملات ..

زينب :
أنا زينب المتفوقة ، المتخلفة ابنة بدوي بن عبد الباسط موظف البلدية المحترم النزيه ، لا أجد مخرجاً نظيفاً لورطة ثقل الكيان عليّ غيرك ، شغلت كل طاقات الذكاء التي امتدحها فيّ أساتذتي على مدى عمري الدراسي مدعمة بتوقعهم المشترك ، أن أكون امرأة متميزة ، استعملت كل عبارات التهذيب النادرة في سوق كلامنا لأحقق حضوري كامرأة لكني فشلت ، وبدأت أتذوق ملوحة النجاح وصديده المخبأ في ثنايا الأيام .

أنا زينب المخذولة ، أنوي بكامل قواي العقلية أن أسحب أوراق اعتمادي من واجهة المجتمع ، أنا النادمة عن كل سنين أحلامي ، وأحلام والدي ، وأحلام والدتي ، التي تمنت ألاّ أكررها ، أبصم على وثيقة فشل بحجم السماء .
ناصر ! أريد زوجاً ..

الزواج :
لسبب استثنائي في نفسي ، أريد أن أختم فشلي وتعبي بهذه الدعوة السرية ، التي تأسرني ، أريد أن أحبك ، أو أمثّل عليك الحب سواء ، وفي الحقيقة أريد أن أرضيك ، كما كانت تفعل والدتي ، لأحفظ بعضاً من وجودي ، وبعضاً مما تبقى من ماء الوجه الذي جف في طوابير الانتظار ، اصنع بي ما شئت مما تخوله لك وثيقة زواج في مجتمعنا ، وامنحني فقط سبباً واحداً في تبرير بقائي.

By Lars